عذرا أيتها الإنسانية بقلم أ. فتيحة برابح( عطر التراب ) الجزائر

عذرا أيتها الإنسانية

عذرا أيتها الإنسانية البريئة لم يستطع قلمي أن يضمد كل جراحك الثخينة، و لا أن يمسح دموعك المتهاطلة كالأمطار ، رغم أنه لا ينام الليل ولا النهار إلا و هو مشغول بهمومك التي لبسها و تجرع مرارتها،
كلما جال في ربوع أوطانك رأى أطفالا نظراتهم شرزاء و وجهوههم مصفرة كسانبل قمح أرهقها الجفاف و وحشية الرعاة فيسألهم من أنتم و من أين جئتم ؟ تتلعثم ألسنتهم الملسوعة بالبرد تجيب عيونهم الملبدة بالسخط ، نحن أطفال سوريا و العراق و فلسطين و اليمن و ليبيا و بورما و النيجر ومالي … نحن من سرقوا ضحكتنا و طفولتنا و طمسوا مستقبلنا ، ليس لنا المأوى و لا الأم و لا الأب و لا الإخوة و لا العنوان ، نحن المشردون المتسولون على ضفاف القلوب الحانية ، حرمنا من الخبز والدفء و العلم و الجري و التحليق مع طيور الأمل الحالمة ، نحن لا نعرف السعادة سمعنا الناس يتحدثون عنها ، سألنا عنها قيل لنا سعادتكم بيعت بأبخس الأثمان لمن سرق أراضيكم الطاهرة ، باعها أصحاب العمائم و عبدة الدرهم و المناصب الفارهة ، و باعوا معها الشرف و التاريخ و رقصوا على صوت الرصاص و زئير الطائرات الحربية ، و داسوا على جثث شعوبهم و عبّؤوا روائح دمائهم في قرورات و بعثوها هدايا لأعدائكم لعلهم يحضون بابتسامة ذئبية ..فلتصبروا أيها الأطفال امضغوا بؤسكم ، تمرغوا في الأوحال ،ناموا على الشوك ، اِلتحفوا السماء سيشتد عضدكم رغم طول الطريق المحفوف بالآلام ..و هذا قلمي صديقكم جريح مثلكم مجند للدفاع عنكم ، يخفق بحبكم ، يئن لأنينكم ،
يحلم بغدكم الجميل معتذرا من الإنسانية الأم التي أرهقتها جشاعة الإنسان و فظاعة الحروب و الجوع و التسلط و الجبروت ، فيا قلمي ارزع فيها الثقة ، قل لها سيعود الخير و النور والسرور
لأن الشّر و الظلام و التعاسة لن يدوموا مادام على وجه الأرض إنسان يعشق الحرية والعدالة و ينبذ العبودية و التعصب و العنصرية و خبث البيروقراطية، و ستولد السعادة في قلوب الأطفال و ينجلي عنهم الحرمان ، ستشبع عيونهم من ألوان الأمان و ترتاح قلوبهم من ويلات الخونة و سينزع من قاموس حياتهم لفظ اللاجئين ، سيعودون لأوطانهم التي اشتاقت لاحتضانهم بحب و عطف و حنان . و سيزرعون
كل شبر فيها بالوفاء و العمل و الاجتهاد كي تصير جنات للإنسانية العذراء طوال الحياة .

بقلم الأستاذة : فتيحة برابح( عطر التراب ) الجزائر

Avatar

صحيفة نحو الشروق

صحيفة جزائرية إلكترونية ورقية أدبية فنية ثقافية شاملة

Related Posts

سيماء رمي العقال والشماغ في الثقافة العربية القبلية بقلم فرج الحسين

سيماء رمي العِقال والشماغ في الثقافة العربية القَبَلية:للعقال وغطاء الرأس سواء كان شماغاً (يشمراً) أحمراً أو غترة بيضاء أهمية كبيرة في الثقافة العربية والموروث الشعبي العربي لأن اليشمر والعقال يحتلان…

سورية لا تخافي سلمان له وقفه

يا سعودي يا فخرنا، يا عِزنا ويا مجدنايا وهج صبحٍ سرى، ما غيرك بعيني سنا من سلالةْ من جدوده ما تخلّى عن وفافزعةٍ لا هبّت الدنيا، وقف ما قد جفا…

اترك تعليقاً