الغريـــب بقلم: “الأديبة عبير صفوت”

قصة اللغز
الغريـــب
بقلم الأديبة عبير صفوت
لَم ينزلق النَّدَى مِنْ ورودي ، حِينَ رَأَيْت وَجْهًا ، كَانَت سَحْنَتِه غَرِيبَةٌ ، وَجْهًا خَشَبِيّ وَجَسَدًا يُشْبِه خَيَالٌ المأتة ، يَدَان تَسْتَنِد عَلَى عكازان مِنْ الْعَاجِ ، وَسِرْوَالٌ فَوْق بنطال بِلَا هَيْئَة تُدْرِكُهَا الأَنْظَار بمعني مَفْصِل ، غَابَت الأَضْوَاء وانسحبت الشَّمْس ، كَأَنَّهَا رَفَضَت أَن تضيئ هَذِهِ الْهَيْئَةِ الْغَرِيبَة ، وَزَاد الشَّكْل غُمُوضٌ ، قَرَّرْت عَدَمِ الِارْتِبَاطِ بالعابرين ، صَعِدَت مَسْكَنِي وَلَم أَدْرَكَ مَا حَدَثَ إلَّا بِوَقْتٍ مَا تَحَدَّثُوا عَنْه سَاكِنَيْن الْعَقَار الْقَدِيم .
حَدَّق الْمُحَقِّق فِى وَجْه الْغُلَام مَالِيًّا ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ صَمْتُه الطَّوِيل قَائِلًا :
مَاذَا سَمِعْتَ عَنْ ذَلِكَ الْأَمْرِ
قَالَ الْغُلَامُ بشئ مِن الاِرْتِبَاك :
قَالُوا إنَّ هُنَاكَ ثَلَاثٌ مِنْ الجُثَث بالطابق الْعُلْوِيّ ، كُلّ جُثَّة بِشِقِّه مُنْفَرِدَة ، لَكِنَّهُم مُتَجَاوِرَيْن ، كَانَ هَذَا بَعْدَ صعودى لدياري
اِسْتَعْلَم الْمُحَقِّق :
مَا هُوَ درايتك عَن الراحلين ؟
قَالَ الْغُلَامُ :
لَمْ أَعْلَمْ الْكَثِير ، غَيْرَ أَنَّهُمْ كَانُوا كُلًّا مِنْهُمْ بِمُفْرَدِه ، الْحَجّ عَزِيزٌ وَالْحُجَّة رَاوِيه وَالْأُسْتَاذ نَبِيِّه .
عَاد الْمُحَقِّق لِسُؤَال جَدِيد :
أَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ زَائِرِين ؟
أَجَاب الْغُلَام :
بِصِفَتَي سَاكِنٌ الدَّوْرِ الْأَوَّلِ والمسؤول عَن بَوَّابَة الْمَسْكَن ، لَم يَأْتِيَ أَحَدٌ إلَّا وَقَدْ عَلِمْت ، وَلَم يَتَزَاوَر بِهِم الْآخَرِين .
تَسْأَل الْمُحَقِّق باهْتِمام :
إذَا البوّابة موصدة طُول الْوَقْت
الْغُلَام :
كَانَت تنفرج مِن الظَّهِيرَة إلَى الْعَصْرِ فَقَطْ ، ثُمّ توصد حَتّى الصّبَاحِ .
ارْهَن الطَّبِيب الشَّرْعِيّ :
قَال نادِل المقهي ، قَد نَشِب عِرَاك بَيْن الشَّحَّاذ وَالْحُجَّة رَاوِيه ، حَيْثُ اعْتَرَضَ طَرِيقُهَا الْأَخِير طَالِبًا بِالْمَال ، لَكِنَّهَا صَرَخَت ، لِكَي يَنْصَرِفُ عَنْ وَجْهِهَا ، بَعْد هَذّ التَّوْقِيت بِسَاعَة حَدَثَت نَفْس الْمُشَاجَرَة مَع الْأُسْتَاذ نَبِيِّه وَالْحَجّ عَزِيزٌ ، ثُمّ اسْتَمَع النادل لجريمة الْقَتْل .
تَسْأَل الْمُحَقِّق :
تُرِي هَلْ هُنَاكَ عِلاقَة بَيْن الْمُشَاجَرَة مَع الشَّحَّاذ وجريمة الْقَتْل الثَّلَاثَة .
قَالَ الطَّبِيبُ مُؤَكَّدًا :
ربما ذَلِكَ ، إنَّمَا يَقُولُ الْبَعْضِ إنْ الْآبَاءُ وَالْأُمَّهَاتُ كَانَ عَلَى خِلَافِ مَعَ انجالهم بِخُصُوص الْمِيرَاث .
تَفَكَّر الْمُحَقِّق بِصَوْت عَالِي :
لَكِنَّهُم مُهَاجِرِين مِنْ عِدَّةِ سَنَوَاتٍ وَلَم يَعُودُوا مِنْ جَدِيدٍ
الطَّبِيب الشَّرْعِيّ :
إذَا الْأَدِلَّة ستتحدث عَنْ الْجَانِي ، خاصتا أَن الجَرِيمَة لِثَلَاث جُثَثٌ ، كُلّ جُثَّة مُنْفَرِدَةً عَنْ الأخري .
الْمُحَقِّق يُتَعَجَّب :
بُدِئ مِنْ الْأَمْرِ ، اخْتِلَاف فِى هَيْئَة الراحلين .
الطَّبِيب :
تَبَيَّنَ مِنْ هَيْئَةِ الجُثَث ، دَرَجَاتٍ مَنْ الْحَرَارَةِ الْمُتَفَاوِتَة ، الْجُثَّة الْأَوَّلِيّ قُتِلَتْ قَبْلَ الْجُثَّة الثَّانِيَة بِنِصْف سَاعَة والجثة الثَّانِيَة قُتِلَتْ قَبْلَ قَتْلِ الْجُثَّة الثَّالِثَة بِنِصْف سَاعَة أَيْضًا ، يَعُودُ ذَلِكَ إلَى تَفَاوُتِ دَرَجَات الْحَرَارَة بِجَسَد المتوفيين .
الْمُحَقِّق يستعلم :
والبصمات ؟ !
الطَّبِيب بِتَمَهُّل :
البصمات لِشَخْص مَجْهُولٌ ، أَمَّا بَصَماتٌ الْغُلَام والانجال لَمْ يَكُنْ لَهُمْ وُجُود .
الْمُحَقِّق فِى اهْتِمَام :
إذْ عَلَيْك بِهَذِهِ البَصْمَة فَوْرًا .
جَلَس مُرْتَبِكٌ يُرَبِّت عَلَى الْأَرْضِ ، كَأَنَّه يُرَبِّت عَلَى مَنْكِبَيْهه لِيُهْدِي نَفْسِه ، حَتَّى لَمَح الْمُحَقِّق عَصَاه العاجية ، قَذَفَة بِسُؤَالٍ مِنْ طِرازٍ الاتِّهَام الْمُبَاشِر :
لِمَاذَا قَتَلْت الثَّلَاث ضحاية ؟ !
أَجَاب الرَّجُل غَرِيبٌ الْأَطْوَار :
لَسْت الْقَاتِل بَل الْقَدْرُ مِنْ قَتْلِهِمْ
شَعْر الْمُحَقِّق بِالْغَضَب وتجهم متسائلاً بِعُنْف :
وَهَل أَنْت مُوَظَّف عِنْد الْقَدْر ؟ !
نَظَرٌ الْمُتَّهَم ببرود وَكَان الْحَقِيقَة صُنِعَتْ لَهُ ذَاتُ بَارِدَة مُحاقَّةٌ بِالثَّلْج ، ثُمَّ قَالَ :
نَصِيبَهُم الْقَتْل
ناوَر الْمُحَقِّق الْمُتَّهَم بِالتَّهْدِيد :
إذَا فلتتحدث بِالْحَقِيقَة وَإِلَّا
قَال الْأَخِير ببرود مَلْحُوظٌ :
لَمْ يَكُنْ بِالْيَد حِيلَة ، صَعِدَت لِشِقِّه الرَّاحِل الْأَوَّلِي وَتَحَدَّثَت بِرُؤْيَة ، أَنَّ الرَّحْمَةَ لَهَا مَجَالٌ عَن البسمة فَقَط ، كُنْت أَقْصِدُ حِينِهَا ، الشِّجَار الَّذِي نَشِب بَيْن الشَّحَّاذ وَالْحُجَّة راوية ، لفظني الرَّجُل بِالْجَهْل والتعنت وَقَام بطردي ساخرا مِن عاهتي وَمَن عصاى العاجي ، تَدَفَّق الدَّم بِرَأْسِي وَلَم أعي إلَّا وَهُوَ جُثَّة رَاكِدَةٌ ، أَخَذ الْإِصْرَار حِدَة مَعِي وَقُرِرْت الذَّهَاب لشقتين الْمُتَجَاوِرَتَيْن ، إنَّمَا لَلْأَسَف كَانَ رَدُّ الْفِعْل مُتَشَابِهًا ، لَم أَدْرِي مَا سَبَبُ قَتْلِهِم وَلَمْ أَعْلَمْ كَيْفَ قَتَلَتِهِم ، رُبَّمَا كَانَ شَخْصٌ آخَرَ بداخلي مِنْ قَتْلِهِمْ .
تَسْأَل الْمُحَقِّق بالمتهم :
هَلْ تَعْرِفُ ؟ ! كَيْف قَتْلِ الثَّلَاثِ ضحاية .
قَال صِحَابٌ الْعِصَابَة العاجية :
لَيْسَ لِي عِلْمٌ
أَشَارَ الْمُحَقِّقُ بِأُصْبُعِه :
أَنَّهَا الْحَافَة السُّفْلِيَّة لعصاك العاجية .
تَنَهُّدٌ الطَّبِيب الشَّرْعِيّ :
شَيّ لَا يُصَدِّقُهُ الْعَقْل ، الْجَانِي مُصَابٌ بِدَاءِ الهُدوء الْقَاتِل وَمِنْ ثَمَّ الْهَيَّاج الهستيري ، وَيُحَدِّثُ هَذَا الْهَيَّاج عِنْدَمَا يَسُبَّ مَنْ الْآخِرِينَ وَدَاء عِنْدَمَا يُشْعِر بِالنَّقْص وَالظُّلْمُ مِنْ الْآخِرِينَ
تَابِعٌ الْمُحَقِّق الْأَمْر قائلاً :
إذَا هَذَا مَا دَفَعَ الْقَاتِل الْغَرِيب ليجني فَعَلَتْة
الطَّبِيب :
آثَار الراحلين مَقْت وَجُنُون وهسترية الْقَاتِل ، عِنْدَهَا لَمْ يَشْعُرْ بِنَفْسِه
رَدَّد الْمُحَقِّق أَقْوَال الْمُتَّهَم :
لَم أَدْرِي مَا سَبَبُ قَتْلِهِم وَلَمْ أَعْلَمْ كَيْفَ قَتَلَتِهِم ، رُبَّمَا كَانَ شَخْصٌ آخَرَ بداخلي مِنْ قَتْلِهِمْ .
تَمْتَم الطَّبِيب :
نَعَمْ هَذَا مَا حَدَثَ بِالضَّبْط
عَاد الْمُحَقِّق لاقوالة :
إذَا كَانَ الْمُتَّهَم مَغِيب حِينَ قُتِلَ الثَّلَاثِ ضحاية بِدَافِع مَرَضِه بِهَذَا الدَّاء الْغَرِيب
الطَّبِيب :
هَذَا مَا سيؤكد الْأَطِبَّاءِ بَعْدَ حُجْزَة بمشفي السِّجْن .
الْمُحَقِّق يَنْظُر السَّمَاء :
يَقُولُون وَالظَّنّ يراودهم ، إنَّمَا لَوْ كَانَ يَعْلَمُون الْأَقْدَار ، مَا اغضبوا العابرين والابرياء فِى طَرِيقِهِم .
Avatar

صحيفة نحو الشروق

صحيفة جزائرية إلكترونية ورقية أدبية فنية ثقافية شاملة

Related Posts

الفتاة االصغيرة سارة قصة بقلم علي بدر سليمان الجزء الاول.

الفتاة الصغيرة سارةبقلمي علي بدر سليمان يعلو صوت القصف وأصوات القذائف على كل شيء ويأخذ الناس بالصراخ والضجيج.ويبدؤون بمغادرة منازلهم وسط حالة من الذعروالخوف.وكل منهم يحاول أن يأخذ أقل مايملكمن…

A unique love story by/ Abdu Morkos Abd El Malak

A unique love story by/ Abdu Morkos Abd El Malak My love story is a unique one. It is more romantic, dramatic, and fantastic than any of those stories; we…

اترك تعليقاً