من الجانى ؟ ) قصة قصيرة – من المجموعة القصصية ( الأرض الطيبة)بقلم مصطفى علاء بركات

لقد كرهت هذه الألعاب الإلكترونية طوال اليوم لا يتركها أبدا إن استمر على هذا ستضيع حياته ، كان إبنه مازن عبد الصبور ، يمسك بالهاتف المحمول أو ألعاب الفيديو لساعات و تحمر عيناه
قالت زوجته : أنت تعرف لا يوجد نادى قريب و أولاد الجيران لا أعرفهم لأترك ابنى يلعب معهم ماذا نفعل
– أى العاب أخرى أى هواية ، إنما طوال الوقت هكذا ! صعب
بعد نقاشات مع إبنهم و محادثات و بحث على الإنترنت وجدوا متجر يبيع شتلات زراعية و يوصلها حتى المنزل ، كان مازن متشوقا لهذا الأمر ، و بالفعل تم شراء وعاء مستطيل كبير به بعض الورود الملونة حمراء و برتقالى و وردى و لها رائحة جميلة جداً
أصبح مازن هو الراعى الرسمى لها يخرج كل ساعة من شقته بالدور الأرضى و يلتف حول مدخل العمارة ، لقطعة الأرض المظلمة المستطيلة فى المنور فى تلك المساحة الترابية الفارغة التى يشقها بصيص من ضوء العمارة المجاورة و تفصل بين شقته و شقة الجار الذى أمامهم و هو لا يظهر إلا كل عدة سنوات لدقائق معدودة و يقال أنه يعمل بمنصب قانونى رفيع بالأمم المتحدة خارج مصر

اهتم مازن بهوايته الجديدة ، و لم يعد الأمر مجرد وعاء للزهور الجميلة لكن امتد الأمر لبعض الباذنجان الأسود اللامع و الطماطم و نباتات الزينة تحول النصف الملتصق بشقتهم لحديقة صغيرة جدا و جميلة و تصدح منها صباحا وقبل المغرب زقزقة بعض العصافير ، و أعجب بعض الجيران بالفكرة فأرسلوا أولادهم و تولى مازن تعليمهم و زادت قطعة الأرض الصغيرة خصوبة و ألوانا زاهية تنعش الأرواح

و بعد مرور عامين أصبحت تلك الأرض الصغيرة مصدر العمارة فى الجرجير و الطماطم الصحية و الملوخية الخضراء اللذيذة ، و كان الأطفال يجتمعون معا و يتعاونوا فى تنظيم و رعاية المزروعات و قل إهتمامهم بالألعاب الإليكترونية و أهتموا أكثر بأساليب الزراعة الأحدث و البذور الأسرع فى النمو
و فى يوم عاد الوالد عبد الصبور من عمله و بعد أن أثلج صدره برؤية ابنه يشرف على أبناء الجيران و قد ازدادوا صحة و نقاء فى بشرتهم و عيونهم من كثرة تعرضهم للشمس و الهواء النظيف و التغذية النقية من أى كيماويات
استقبلته زوجته و قالت له أن جارنا قد عاد من السفر و يريد أن يقابله ، ذهب الأستاذ عبد الصبور ليقابله و هو يسير بثقة و ينظر بفخر و نشوة للجزء المزدهر ناحيته و قطعة الأرض الترابية الصفراء الملاصقة لبيت جاره على بعد خطوات من جنتهم الخضراء

– حضرتك أستاذ عبد الصبور
– نعم تفضل ، حضرتك طلبت مقابلتى ، تفضل نحن جيران
– لقد سببت لى مشكلة و يجب أن تحلها
– مشكلة أنا لم أراك إلا الأن أى مشكلة
– هذه الأرض المزروعة..
– لا لا حضرتك لا تفهم نحن الذين زرعناها انا و ابنى و الجيران لكن الجزء الخاص بك هو كذا من البداية
– انت اللذى لا تفهم يا استاذ عبد الصبور ، أنا أنهيت عملى بمحكمة العدل الدولية و عدت لمصر و نظرا للأحوال الأمنية أحضرت معى كلبى هذا و أتممت إجراءات نقله و جواز سفره المرخص و أشار لكلب ضخم مثل كلاب الشرطة البوليسية من نوع الراعى البلجيكى و لكنه أسود لامع تلمع عيناه و جسده عضلى منتصب يقف متناسقا كحصان و وجهه مثل الأسد
– تراجع خطوتان للوراء و نظر للكلب و ابتلع ريقه … مازلت لا أفهم
– رفع القاضى الدولى ورقتين فى يده و قال أنظر هنا : ينص العقد الرسمى على أحقية صاحب كل شقة فى مساحة خمسة أمتار و يحق لصاحب الشقة إستغلالها و منع التعدى عليها بشتى الطرق
– نحن لم نقترب من شقة حضرتك
– أخرج من جيبه مقياس أمتار و قال : لقد اعتديت على الجزء الخاص بى بمقدار متر و عشرة سنتيمترات و هذا حقى الرسمى
– متر و عشرة سنتيمترات!
– نعم و لابد أن أستردها ، لأنى سأضع فيها ” تايسون ” كلبى الخاص ، و أنا غير مسئول عن أى أذى و أغلق الباب بعنف و دخل منزله و أرتفعت زمجرة الكلب كأنه وحش مفترس

حاول الأستاذ صابر مناقشة الجيران ليستعين بهم ، فقالوا إنه رجل صعب الطباع لقد حرر محضر للبواب لأنه لم ينظف سيارته ، و تسبب فى غلق المحل المجاور بعدما أبلغ مباحث التموين أنه يبيع الخبز أغلى بمقدار جنيها واحدا من سعره المطبوع ، تنهد صابر و هو ينظر بحسرة لولده و هو يعتنى بحديقته و يكاد يغلبه النوم و هو ينسق بين مزروعاتها كأنه يتعامل مع جواهر نادرة ، نزل الأب للحديقة بعدما دخل ولده للنوم
و حاول أن يزيح المزروعات ناحيته كان الأمر صعباً ، انحنى على ركبتيه و نزع بقوة الشتلات الصغيرة و اقتطع بيده النباتات المزدهرة و هو يتذكر فرحة الأولاد بعد مرور أشهر على بذرتهم الأولى و كيف سحب كل منهم والديه و أصروا على التقاط صور تذكارية مع حلمهم الحى أمامهم ، صارت أطراف الحديقة ذات الألوان المتناسقة كتلة من الطين الأسود المتراكم و بعض الأوراق الصفراء الميتة ، استيقظ الأب على انهيار ابنه فى البكاء و هو يجذبه من ثيابه
– حديقتى تدمرت من الجنب ، انتزعوا الزهور و الفراولة التى ازدهرت من اسبوع … لقد ماتت الزهور و تقطعت ، يجب أن أضعها ثانية
– شرح له والده الموضوع بشكل مبسط
– فرد عليه : هل يكره الزهور الملونة يمكن أن نزرع له بعض البامية
– أغمض الأب عينيه و احتضن ابنه الذى رفع رأسه الملتصقة بصدر أبيه أو نزرع له بعض الجرجير ، ثم قفز مازن و اتسعت عيناه
ما هذا الصوت يا أبى إنى خائف و أمسك برقبة أبيه
خرجا سريعا و الولد ملتصق بساق أبيه من الخلف ، كان الكلب يزمجر بشدة و قد أمسك بساق أحد أبناء الجيران الذى احتضن زهراته التالفة و هو يحاول إعادة إلصاقها بالأرض مرة أخرى بلا جدوى كان الولد يصرخ أمى أبى و يده تقبض على زهراته المذبوحة و يده الأخرى يجذب بها ثيابه من فم الكلب البوليسى ، كان جسد الكلب كله عضلات فنظر عبد الصبور له و وقف مكانه لا يعرف ماذا يفعل ثم جرى تجاه الطفل يحاول جذبه للخلف بعيدا عن الكلب جذب الكلب ثياب الطفل فقطعها و رماها بعيدا و ازداد نباحه شراسة و عنفا و حاول القفز تجاه عبد الصبور الذى تسمر مكانه بعدما أشار الطفلين المرتعبين أن انصرفا و سمع صوت مثل كسر الزجاج ، كان الكلب قد شد السلسلة المربوط بها و كسر إحدى حلقاتها المثبتة بجدار الجار الذى عاد ، نزل والد الطفل و هو ثائر بعدما رأى رعب ابنه و تمزيق ثيابه كأنها بسكين حادة و خبط بشدة على صاحب الكلب
– من انت ماذا تريد؟
– هذا الكلب القذر كاد يقتل ابنى !!
– أنه مدرب لا يقتل ، فقط يمسك باللصوص
– ابنى ليس لصا
سأقتل هذا الكلب سأقتله
نظر صاحب الكلب لكلبه و السلسلة التى كادت تنقطع و بصوت هادىء قال و أشار للكلب : sit
فتوقف الكلب عن النباح و جلس ملصقا أرجله على الأرض ، و قام عبد الصبور من فوق مستندا على جدار شقته و قلبه يدق بسرعة كبيرة و نظر بحسرة لموضع سقوطه الذى هشم أكثر من نصف الحديقة الصغيرة أثناء مواجهته الخاسرة مع الكلب بعد أن أنقذ الطفل ، حاول والد الطفل أن يحرر محضر ضد صاحب الكلب و لكن عندما تم استدعائه أشهر لهم جواز سفر الكلب و شهادة ترخيصه و أنه كلب مدرب و تم إلزام والد الطفل المصاب بتعويض مادى لإنتهاكه حدود ملكية الغير بعدما أبرز الجار أوراق حدود منزله الرسمية .

أصبحت الحديقة كتلة من الطين المتناثر و قد تبعثرت به أوراق تالفة و نباتات متمزقة و عادت الحشرات مثل البعوض و الذباب لمنور العمارة ، و انتشرت بعض الروائح الكريهة من الكلب و الأرض الغير مزروعة و عدم الإهتمام بنظافة المكان ، عثر الأب بعد ذلك على موقع بعيد قليلا فى العمارة المجاورة و لكن الابن فضل أن يكتفى بوعاء صغير فى شرفة منزله ، أما الجار فقد تعرض أثناء غيابه عن المنزل لإقتحام شقته و تخريب بعض أجهزته الغالية ، فقد مات كلبه مسموما و لم يثبت حتى الأن من الجانى .

( تمت)

—————————————-

Avatar

صحيفة نحو الشروق

صحيفة جزائرية إلكترونية ورقية أدبية فنية ثقافية شاملة

Related Posts

الفتاة االصغيرة سارة قصة بقلم علي بدر سليمان الجزء الاول.

الفتاة الصغيرة سارةبقلمي علي بدر سليمان يعلو صوت القصف وأصوات القذائف على كل شيء ويأخذ الناس بالصراخ والضجيج.ويبدؤون بمغادرة منازلهم وسط حالة من الذعروالخوف.وكل منهم يحاول أن يأخذ أقل مايملكمن…

A unique love story by/ Abdu Morkos Abd El Malak

A unique love story by/ Abdu Morkos Abd El Malak My love story is a unique one. It is more romantic, dramatic, and fantastic than any of those stories; we…

اترك تعليقاً