قِصَّة الجَرِيمَة عَمَلِيَّة إجرامية بِقَلَم الإديبة عَبِير صَفْوَت

قِصَّة الجَرِيمَة
عَمَلِيَّة إجرامية
بِقَلَم الإديبة عَبِير صَفْوَت

لَا تتعجب بَعْدَ ذَلِكَ ، بَلْ إنْ هُنَاكَ الْمَزِيد ، وَهُنَا يكْمُن الغُمُوض ، وَقَدْ سَكَتَ الْمُحَقِّق “قسم ”
مراوضا لِنَفْسِه بِحَالِهِ مِنْ الهُدوء ، وَاعْتَدَل الطَّبِيب الشرعى فِى مَقْعَدَه ، وبدى مِنْ الْأَمْرِ أَنَّهُ ، كَانَ يُجَلِسُ ، فَتْرَةً طَويلَةً ، رَدَّد تِلْكَ الْكَلِمَاتِ كَأَنَّه ، يتعايش مَع الْمُحَقِّق ، فِى كُلِّ خَلْجَة مِن خلجات اهْتِمَامِه .

وَتَابَع الطَّبِيب مستعرضا ، كَأَنَّه يَوَدُّ أَنْ يَقُولَ ، لَا تُعْجَبْ بِالْأَمْر ، بَلْ هَذَا مِنْ الطبيعى :

رَجُلًا مُسِنٌّ ، إنَّمَا صِفَاتِه الْحَذَر وَالْحَرَس الشَّدِيدَان ، زَوْج لِامْرَأَة مُتَوَسِّطَةٌ الْجَمَال ، وَكَمْ مِنْ الْأَوْلَادِ ؟ ! ثَلَاثَة ، هُمْ فِى زُمْرَة رَيْعَان الشَّبَاب ، وَتَمَام الزيجة كَانَتْ مِنْ ثَلَاثُونَ عَامًّا .

ضَحِك الْمُحَقِّق ساخرا بِمَرَارَة :
ثَلَاثُون عَامًّا ، يَكْدَح وَيُجْمَع الْأَمْوَال ، ثُمَّ يَأْتِى اللَّهْو الخفى ، وَيَأْخُذ جَنَى الْأَزْمَان .

ناورة الطَّبِيب ، بِنَظَرِه عَتَّاب :
لَن نتناسي أَن أُسْلُوب الرَّجُل ، كَانَ خَارِجَ الاتّزَان ، بِشَهَادَة زَوْجَتِه ، الَّتِى عذبها بِالشَّكّ ، وَالْإِنْفَاق آل ضَئِيلٌ .

اسْتَكْمَل الْمُحَقِّق ، وَكَأَنَّه يَسْرُد قِصَّة :

وَأَثْبَتَت الزَّوْجَةِ أَنَّهُ كَانَ كَذَلِكَ ، وَكُلًّا مِنْ الْأَوْلَادِ ، شَهِد إخْلَاص الْأُمّ فِى التَّحَمُّل ، ومجاراة الْأُمُور ، رَغِم غُمُوضٌ ذَلِكَ الرَّجُلُ .

تَنَهُّدٌ الطَّبِيب ، قَائِلًا بِشِدَّة :
لَم يُفْضِى التَّحْلِيل ، إلَى النَّتِيجَةِ النِّهَائِيَّة بَعْد .

أَيَّدَه الْمُحَقِّق :
وَلَن تَمْلِك النِّيَابَة ، الْأَدِلَّة حَتَّى الْآنَ .

الطَّبِيب الشرعى ، وَكَأَنَّه يَذْكُرْه :
الْأَدِلَّة تَقُول ، أَنَّ الرَّجُلَ تَنَازَل لِزَوْجَتِه عَن كَامِل ثَرْوَتِه ، وَكَانَ يُحَدِّثُ الْمَسْؤُول البنكى ، أَوْ يَذْهَبُ إلَيْهِ بِنَفْسِهِ ، بِذَلِك الْمَقْعَد الْمُتَحَرِّك ، رَغِم توعكة .

الْمُحَقِّق “قسم” :
تَنَكَّرَ الرَّجُلُ ، لِكُلِّ ذَلِكَ ، لَمْ يَشْهَدْ حَتَّى الْآنَ ، أَنَّهُ قَدْ قَامَ بالبصمة ، عَلَى الْأَوْرَاق المنوهة عَنْهَا .

تَحَرَّك “قسم ” بِمَقْعَدِه ، يَمْلِك قُيُود الْحِيرَة وَالْقَلَق :
لَا تتناسي أَنَّ الْبَعْضَ يَشْهَد ، أَنَّ الرَّجُلَ مُخْتَلّ .

الطَّبيِّب الشرعى يُحَاوِلْ أنْ يَقْتَنِعَ :
هَل تَقْصِدُ أَنْ الْحَادِثَة الَّتِى وَقَعَتْ لَهُ ، فِى هَذَا التَّوْقِيت ، مَنَعَت زِرَاعَة الْيُمْنَى ، مِنْ الْإِمْضَاءِ ، فَاضْطَرّ أَنْ يَقُومَ بالبصمة عَلَى أَوْرَاقِ التَّنازُل .

الْمُحَقِّق يُحَرِّك رَأْسَه مُؤَيِّدًا ، ثُمَّ يَعُودُ مِنْ جَدِيدٍ :
مَا الَّذِى دَفَعَه ، لِيَتْرُك كُلُّ هَذِهِ السَّنَوَات ، لياتى فِى هَذَا التَّوْقِيت ، ويتنازل ، لِزَوْجَتِه الَّتِى هِىَ ، امْرَأَة السُّوء ، وَغَلَّطَه الْعُمْر الوَحِيدَة .

الطَّبِيب الشرعى :

مِنْ الْآنَ ، عَلَيْنَا انْتِظَار المفاجأت .

***
الْتَقَط الطَّبِيب ، بِصَدْرِه المتهدج ، بِضْع أَنْفَاس ، وَهُو يُلْقَى بَعْدَه أَوْرَاق ، إمَام الْمُحَقِّق ، قَائِلًا بَعْدَ رُؤْيَةِ :

اُنْظُر أَنَا أَرَى ثَغْرِه .

قُرَّاء الْمُحَقِّق ، الْأَوْرَاق المؤرخة بِمِيقَات مُدَوَّنٌ ، وَبَعْض الملاحظات لِطَبِيب الشرعى ،
ثُمَّ قَالَ :

لَن تَخْرُج البصمات ، عَلَى أَوْرَاقِ التَّنازُل ، عَن بَصْمَة الزَّوْجِ
وَالزَّوْجَةِ ، وَيَذْكُر ، أَنَّ هُنَاكَ بَصَماتٌ عِدَّة مَجْهُولَة .

قَالَ الطَّبِيبُ الشرعى :
تَمّ التَّأَكُّدُ مِنْ كُلِّ البصمات ، إلَّا بَصْمَة وَاحِدَة مَجْهُولَة ، عَلَى أَوْرَاقِ التَّنازُل ، وَسَاعَةٌ مِعْصَم المجنى عَلَيْه ، وَبَعْض خَلَايَا
وعينات مِنْ الشَّعْرِ ، كَانَت تستوطن مِعْطَف الزَّوْج ، وَهَى تُخَالِف ، خَلَايَا الزَّوْج .

“قسم” :
رُبَّمَا صَدَفَة ، وَقَد اِرْتَدَى المِعْطَف ، إحْدَى الْأَقَارِبِ أَوْ الْأَصْدِقَاء .

الطَّبِيب الشرعى ، يعاند :
مَا القصيد مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ ، إذ كَشْف التَّحْلِيل ، أَن البَصْمَة كَانَت لِزَوْج فِعْلًا ، وَالصَّوْت الَّذِى تَحْدُث ، شَهِد الْمُوَظَّف ، أَنَّه لِزَوْج ، حَتَّى بَعْدَ الْحُضُورِ البنكى ، وَقَدْ رَأَى الْجَمِيع ، وَتَمّ التَّأَكُّدُ مِنْ شَخْصِيَّتُه ، وَشَهِد الزَّوْجُ أَيْضًا ، أَن المِعْطَف أَتَى مِنْ المغسلة ، بَعْد الْوَاقِعَة ، ثُمّ تَسَاءل متشككا :

تَرَى مَا وَرَاءَ ذَلِكَ .

قَالَ الْمُحَقِّقُ ، مُتَفَكِّرًا :

قَطْعًا ، هُنَاك ثَغْرِه .

الطَّبِيب ، ساخرا :
الرَّجُل يَتَنَكَّر قَائِلًا ، أَنَّا لَمْ اتنازل ، لِهَذِهِ الْمَرْأَةِ الشمطاء ، لَكِن ، هُنَاك ، مِنْ الْإِثْبَاتِ شُهُود .

***
وَقَف الْغَرِيب ، يَلُوك بِوَجْه ، نَظَرِه صَارِمَة ، غَرِيبَةٌ ، بِهَا مَلامِح قَاسِيَة ، لَن تَلَازُم ، إلَّا رَجُلًا ، مَات قَلْبِه ، حَتَّى دَخَلَ الْمُحَقِّق ، وَجَلَس بِمَقْعَدِه ، حَتَّى بَعْدَ لَحَظَات ، أَشَارَ لَهُ قَائِلًا :
عَلَيْك بِالْجُلُوس .

جَلَسَ الرَّجُلُ بِحَالِهِ مِنْ الْغَضَبِ .

حَتَّى اللّقَى الْمُحَقِّق ، حَجَرًا بِعُمْق الْبَحِيرَة ، لِيُثِير غَضِب ، مكامن الْأَشْيَاء ، وَتَوَجَّه بِسُؤَال :

مَا سِرُّ بصمتك هاذى ، عَلَى مِعْطَف الزَّوْج المتشاكى ، وَمِثْلُهَا عَلَى سَاعَةٍ معصمة ، حَيْثُ قَامَ الْمُحَقِّق بِسُؤَال مُفاجِئٌ :

هَل قُمْت بارتداء المِعْطَف ؟! بَعْد التَّنْظِيف ، وَقَبْلَ أَنْ يَعُودَ الْبَيْت ، وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ ، مَتَى تَوَصَّلَت لارتداء سَاعَة مِعْصَم الزَّوْج ؟! وَهُوَ لَمْ يَتْرُكْ الْبَيْت شَهْرًا كَامِلاً ، مِثْلَمَا قَال :

تَفَوَّه “چاسم” بلكنة إِنْجلِيزِيَّة شَدِيدَة الْحِدَّة ، بَعْدَ أَنْ الْتَقَط مِنْ الْمُحَقِّقِ فَكَرِه :

أَنَا رَجُلًا انجليزى الْأُصُول ، مَا دخلى بِذَلِك .

دَك الْمُحَقِّق ، سَطْح الْمَكْتَب بِقَسْوَة قَائِلًا :
أَثْبَت أَنَّهَا لَيْسَتْ بصمتك ، أَو أَشْرَح لَنَا سِرُّ بَصْمَة سَاعَة الْمِعْصَم .

وَقَدْ أُثْبِتَ الانجليزى ، سِرّ الخلايا الَّتِى كَانَتْ بِدَاخِل المِعْطَف ، وَقَالَ إنَّهُ ذَهَبَ الْمُغَسِّل ، وَقَدْ اشْتَدّ إِعْجابَه ، وَقَام بارتداء المِعْطَف ، مِنْ بَعْدِ أَنْ تَعَاطَف مَعَه عَامِلٌ الْمُغَسِّل ، مُقَابِل أَجْر .

عَاد الْمُحَقِّق متخاطبا حَائِرًا :
هَذَا أَمْرٌ المِعْطَف ، لَكِنْ مَا سِرُّ بَصْمَة أَوْرَاق التَّنازُل وَسِرّ بَصْمَة سَاعَة الْمِعْصَم .

ثَار الرَّجُل الانجليزى قَائِلًا :

أَنَا اتنكر لِكُلِّ ذَلِكَ .

قَالَ الْمُحَقِّقُ :
رُبَّمَا لَن تتنكر ، أَن قُمْنَا باستضافتك ، عَلَى هِبَاتٌ جرائمك ، الَّتِى نَعْلَم عَنْهَا لِكَثِير ، حَتَّى نَرَى مَالًا تَرَاه أَنْت ، عَلَى ذَلِكَ أَنْتَ مُتَّهَم ، حِينَ ذَاكَ .

وَضَع الانجليزى ، رَأْسَه مَائِلًا بَيْن كفوفة ، وَبَدَأ يتحاكى بِالْأَمْر :

حِينِهَا قَال صَدِيقًا لِى ، خَطِّه لَن تَخْتَرِق ، وَهَى تَتِمّ لِزَوْجَة ، لَجَأْت إلَيْهِ ، لتسترد ثَمَن أَعْوَامًا مِنْ الشَّقَاءِ ، مَعَ هَذَا الوغد ، وَهُنَا تَمّ التَّخْطِيط .

وَاسْتَرْسَل الانجليزى : .

انتهزت الزَّوْجَة ، فِرْصَة الوعكة الصِّحِّيَّة ، لِزَوْجِهَا ، وَهَى كَسْرًا بِالْيَدِ الْيُمْنَى ، وتورمات بِالسَّاق ، عَلَى خِلَافِ ذالك ، كَانَت تَحْتَجِز بَعْضُ مَنْ بَصَماتٌ الْيَدِ الْيُمْنَى ، مِنْ كَأْسِ قَدِيمٌ ، وَقَامَت باستخدامها ، فِى الوَقْتِ الْمُنَاسِب ، وَتَمّ عَمِل اللَّازِم ، لِتُصْبِح يَدَى الْيُمْنَى ، بِهَا نَفْسُ بَصَماتٌ الزَّوْج ، لكى ابصم عَلَى وَرِقٍ التَّنازُل لِزَوْجَة .

اُسْتُوْقِف الْمُحَقِّق الانجليزى ، قَائِلًا :

لَا تُنْسِي التشابهة ، إلَى بَيْنَك وَبَيْنَ الزَّوْجِ ، جسديا ، وَفِى نَبْرَة الصَّوْت .

اسْتَكْمَل الانجليزى :
بَعْضا من المكياچ ، مَع مِعْطَف الرَّجُل ، بَعْدَ أَنْ جَلَبَتْه الزَّوْجَةِ مِنْ الْمُغَسِّل ، كَان كافيلا ، لِإِتْمَام الْأَمْر .

رَدَّد الْمُحَقِّق كَلِمَات ، لِيُونُس الضَّيْف متهكما :
ذهبتما للبنك ، وتنازلت أَنْت ، بصفتك الزَّوْج الْمَرِيض ، تنازلا رَسْمِيًّا لِهَذِه الزَّوْجَة .

قَال الأنجليزى :

ذَهَبَت كُلّ التَّرْتِيبَات ، قَارِعَة الْأَرْض .

*** .

نَظَرِ الطَّبِيبِ الشرعى ، نَظَرِه مُطَوَّلَة صَوْب قِسْمٌ ، قَائِلًا :

عَمَلِيَّة إجرامية ، مِصْرِيَّة إِنْجلِيزِيَّة .

ضَحِك الْمُحَقِّق “قسم” مُتَوَجّسا بِرَحِيق الْخَوْف :
تَعَدَّدَت الْمَعَارِك ، وَبَات فِى اللِّقَاء الْأَخِير ، حَضّ الْمَوَاطِن عَلَى الاذاء بِنَفْسِه .

الطَّبِيب الشرعى :
عَقْل مصرى ، وَتَنْفِيذ أنجليزى .

وَأَخِيرًا قَالَ الْمُحَقِّقُ :
يُدْرِك مِيرَاث السُّوء ، حَتَّى مِنْ خَارِجٍ البِلادِ .

Avatar

صحيفة نحو الشروق

صحيفة جزائرية إلكترونية ورقية أدبية فنية ثقافية شاملة

Related Posts

الكتابة مرآة الذاكرة الذاكرة والكتابة للكاتبة ملفينا ابومراد

الكتابة مرآة الذاكرة… بين الفهم والتفهيم الذاكرة والكتابة الذاكرة هي المحور، والكتابة هي الحوار. فكيف تكون الكتابة حوارًا؟الحروف التي تتكوّن منها كلماتنا، تثير الذاكرة، فتذودنا بما نريد كتابته. وكأنّ كل…

الذاكرة والضمير (ضمير الإنسان) للكاتبة ملفينا ابومراد.

الذاكرة والضمير(ضمير الانسان ) تعني كلمة “ضمير” ـ وَفقًا لـ”مُعجم المعاني الجامع”: استعدادا نفسيّا لإِدراك الخبيث والطيب من الأعمال والأَقوال والأَفكار، والتفرقة بينها، واستحسان الحَسن واستقباح القبيح منها. ويُقصد بـ”الضَّمير…

اترك تعليقاً