سِفْرُ الخَلاصِ

سِفْرُ الخَلاصِ


شعر/عبد العزيز مُحيي الدّين خوجة 


لَوْ أَنَّهُمْ جَاؤُوكَ مَا شَدُّوا رِحَالَهُمُ إِلَى جِهَةِ الضَّيَاعْ
لَوْ أَنَّهُمْ .. مَا تَاهَ رُبَّانٌ لَهُمْ أَوْ ضَلَّ فِي يَمٍّ شِرَاعْ
طَيْرٌ أَبَابِيلٌ عَلَى الكَفِّ المُضَمَّخِ بِالضَّحَايَا
فِي صَلَاةٍ لَمْ تَصِلْكَ لِأَنَّ فِيهَا مَا يَهُولُ مِنَ الْخَطَايَا
فِي خَوَاءِ الرُّوحِ حِينَ تَدُكُّهَا خَيْلُ المَنَايَا
أَنْقَاضُ مَجْزَرَةٍ عَلَى جُثَثِ السَّبَايَا
فِي صَدَى صَوْتٍ يُؤَذِّنُ
ضَاعَ فِي أَحْجَارِ مَقْبَرَةٍ مُدَمَّرَةٍ عَلَى قَلْبِي شَظَايَا
طَيْرٌ أَبَابِيلٌ عَلَى أَفْيَالِ أَبْرَهَةٍ تَجُوبُ مَآذِنَ الأَقْصَى
لِمَنْ فِي الأَرْضِ، يَا اللهُ، تَعْرُجُ رُوحِيَ الثَّكْلَى؟
وَمَنْ سَيَرُدُّهَا جَذْلَى إلَيَّ؟
وَإِخْوَتِي ذِئْبٌ يَشُقُّ قَمِيصِيَ المَذْبُوحَ
ثُمَّ يَطُوفُ أَرْضَ اللهِ كَيْ يَبْكِي عَلَيَّ؟
*           *          *
لَوْ أَنَّهُمْ جَاؤُوكَ مَا نُصِبَ الحِدَادُ عَلَى الجِبَاهْ
اللهُ يَا اللهُ لَوْ أَدْنُو قَلِيلًا مِنْ مَدَاهْ
اللهُ يَا اللهُ لَوْ تَرْفُو تَمَزُّقَ نَفْسِيَ الأُولَى رُؤَاهْ
اللهُ يَا اللهُ لَوْ ضَمَّخْتُ قَلْبِي مِنْ شَذَاهُ وَفِي سَنَاهْ
اللهُ يَا اللهُ لَوْ تَدْنُو إِذَنْ مِنِّي يَدَاهْ
لَتَفَجَّرَتْ رُوحِي مِنَ الصَّوَّانِ نَبْعًا مِنْ مِيَاهْ
اللهُ يَا اللهُ كَمْ هَتَكَتْ لَيَالِينَا عُيُونُ الْغَاصِبِينْ،
وَتَنَاهَشَتْ دَمَنَا حِرَابُ الرُّومِ مَاجِنَةً
عَلَى جَسَدٍ رَثَيْنَا فِي صَدَى رَعَشَاتِهِ السَّيْفَ المَكِينْ
وَتَرَى المَغُولَ عَلَى مَشَارِفِ أُفْقِنَا المَحْزُونِ
تَشْرَبُ فِي جَمَاجِمِنَا مَدَى أَنْخَابِهَا؛
وَتَرَاهُمُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِينَا، وَفَوْقَ نُعَاسِنَا،
وَعَلَى ثِيَابِ نِسَائِنَا مِنْ كُلِّ صَوْبٍ يَنْسِلُونْ
*           *          *
لَوْ أَنَّهُمْ جَاؤُوكَ لَانْبَلَجَ الصَّبَاحْ
فِيهِمْ، وَمَا عَاثَتْ بِوِجْهَتِهِمْ رِيَاحْ
مَا عَفَّرَ الغِرْبَانُ شَطْرَ صَهِيلِهِمْ
بِالشُّؤْمِ أَوْ عَضَّتْ عَلَى دَمِهِمْ رِمَاحْ
مَا ضَجَّ بَيْنَ وَجِيبِهِمْ خَوْفٌ تَغَمَّدَهُمْ
وَمَا ذَلَّتْ عَلَى نَفْسٍ جِرَاحْ
إِنِّي أَتَيْتُكَ سَيِّدِي، وَبِخَاطِرِي
أَوْطَانُنَا، وَدِمَاؤُنَا هَدْرًا تُبَاحْ
وَنِسَاؤُهَا ثَكْلَى عَلَى أَوْلَادِهَا
وَرِجَالُهَا يَلْهُو بِهِمْ سَفَّاحْ
حُزْنٌ تَمَاوَجَ فِي النُّفُوسِ وَقَدْ سَرَى
وَأَنِينُهَا طِفْلٌ يُمَزِّقُهُ النُّوَاحْ
فَاشْفَعْ لَنَا، يَا سَيِّدِي، مِنْ ذَنْبِنَا
إِنَّا طَرَقْنَا البَابَ يَحْدُونَا الفَلَاحْ
فَعَظِيمُ شَأْنِكَ عِنْدَ رَبِّكَ سَامِقٌ
وَعَظِيمُ رَحْمَتِهِ يُكَلِّلُهَا السَّمَاحْ
ضَلُّوا طَرِيقَهُمُ، وَمَا فَطِنُوا
وَلَوْ جَاؤُوكَ لَانْبَلَجَ الصَّبَاحْ
اللهُ يَا اللهُ هَلْ جَفَّ الْهَوَاءُ
وَلَمْ يَعُدْ يَتَنَفَّسُ الشُّهَدَاءُ حَتَّى بِالْيَرَاعْ
هَلْ هَانَتِ النَّفْسُ الْعَلِيَّةُ مِثْلَمَا سَقَطِ المَتَاعْ
قَدْ ضَاقَتِ الدُّنْيَا عَلَيْنَا مِثْلَ خَاتِمَةِ الوَدَاعْ
أَرْوَاحُنَا انْهَدَّتْ عَلَى أَقْفَاصِنَا
تُشْرَى هُنَا وَهُنَا تُبَاعْ
يَا سَيِّدِي سَقَطَ الْقِنَاعُ عَلَى المَسَارِحِ
عَنْ وُجُوهٍ لَمْ تَكُنْ إِلَّا قِنَاعْ
يَا سَيِّدِي لَمْ يَحْمِنَا فَمُنَا وَقَدْ خَرَّتْ قِلَاعٌ
لَمْ تَكُنْ أَبَدًا قِلَاعْ
لَوْ أَنَّهُمْ جَاؤُوكَ
مَا شَدُّوا رَحَالَهُمُ إِلَى جِهَةِ الضَّيَاعْ
*           *          *
هَا إِنَّنِي قَدْ جِئْتُ مُنْكَسِرًا
وَرُوحِي لَا تُحَدُّ بِغَيْرِ رُوحِكَ يَا حَبِيبِي
قَدْ جِئْتُ أَحْمِلُ فِي يَدَيَّ ضَرَاعَتِي
وَتَوَسُّلِي بِعَظِيمِ جَاهِكَ مِنْ ذُنُوبِي
وَعَلَى جَبِينِي غُرْبَتِي
فَمَتَى يَظَلِّلْ غَيْمُكَ الْقُدْسِيُّ صَحْرَاءَ الْغَرِيبِ
إِنِّي أُحِبُّكَ مِثْلَمَا، مِنْ قَبْلُ مَا أَحْبَبْتُ
أَوْ مِنْ بَعْدُ مِنْ خُلُقٍ وَطِيبِ
وَأُحِبُّكَ..امْتَثَلَتْ لِحُبِّكَ جُنْدُ رُوحِي
كَامْتِثَالِ الْعُشْبِ لِلْغَيْثِ السَّكِيبِ
يَا سَيِّدِي أَنْتَ الْبُحَيْرَةُ، وَالسَّرَابُ قَوَافِلِي
وَأَنَا العَلِيلُ وَأَنْتَ مِنْ أَبَدٍ طَبِيبِي
أَنْتَ الذُّرَى فَوْقَ الذُّرَى يَا سَيِّدِي
وَأَنَا خُطًا مَهْدُودَةٌ.. تَاهَتْ دُرُوبِي
أَنْتَ النُّهَى فَوْقَ النُّهَى وَالمُنْتَهَى
كَمْ قَدْ حَبَاكَ اللهُ، عُلَّامُ الغُيُوبِ
فَلِأَجْلِكَ الْأَكْوَانُ تُرْوَى لَا تَزَالُ
كَغَيْمَةٍ مِنْ قَطْرِ مَبْسَمِكَ الرَّطِيبِ
وَلِأَجْلِكَ الْأَقْمَارُ تَجْرِي
وَالْكَوَاكِبُ فِي مَدَى الْفَلَكِ الرَّحِيبِ
وَلِأَجْلِكَ الْأَسْمَاءُ قَدْ عُلِمَتْ لِآدَمَ
كُلُّهَا فِي سِرِّهَا المَكْتُوبِ
فَاقْرَأْ عَلَيْنَا بِاسْمِ رَبِّكَ نُورَهَا
حَتَّى تُضِيءَ بِهَا دَيَاجِيرُ القُلُوبِ
نَامَتْ وَقَلَبُكَ لَمْ يَنَمْ عَنْهَا
لِتَدْرَأَ مَا يَرِفُّ مِنَ الخُطُوبِ
قَدْ جِئْتُ مُعْتَرِفًا فَهَبْ لِي نَفْحَةً
أَنْجُو بِهَا، مَوْلَايَ فِي اليَوْمِ الرَّهِيبِ
مَا جَفَّتِ الصُّحُفُ الكَرِيمَةُ فِي يَدِي
لَكِنَّهَا الدُّنْيَا كَغَانِيَةٍ لَعُوبِ
مَوْلَايَ هَبْ لِي مِنْكَ مَنْأًى عَنْ غِوَايَتِهَا
وَمِنْ وَسْوَاسِ رَوْنَقِهَا الطَّرُوبِ
أَنْتَ القَرِيبُ إِذَا ابْتَعَدْتَ وَمَا ابْتَعَدْتَ
وَأَنْتَ مِنِّي نَبْضَةُ القَلْبِ القَرِيبِ
*           *          *
هَذِي الحُشُودُ أَتَتْكَ مِثْلِي رَاعِشَاتٌ بِالدُّمُوعْ
خُذْهَا إِلَيْكَ فَإِنَّهَا فِي ذَنْبِهَا تَخْشَى الرُّجُوعْ
فِي ذِكْرِ مَوْلِدِكَ الطَّهُورِ تَسَابَقَتْ مُهَجُ الجُمُوعْ
خُذْهَا إِلَيْكَ وَشُدَّهَا، يَا سَيِّدِي،
مِنْ رِبْقَةِ اليَأْسِ الخَنُوعْ
جَاؤُوكَ مُعْتَصِمِينَ بِالحُبِّ المُؤَبَّدِ فِي الضُّلُوعْ
جَاؤُوكَ مَا خَابُوا إِذَا وَقَفُوا بِبَابِكَ فِي خُضُوعْ
خُذْنِي إِلَيْكَ بِجَاهِ نُورِكَ، عَلَّهَا تُشْفَى الضُّلُوعْ
خُذْنِي إِلَيْكَ وَمُدَّنِي بِسَلَامِ رُوحِكَ،
سَيِّدِي، كَيْ لَا أَضِيعْ
*           *          *
صَلَّى عَلَيْكَ اللهِ فِي مَلَكُوتِهِ
صَلَّتْ عَلَيْكَ ، لِأَجْلِكَ، الأَكْوَانُ
وَأَمُدُّ قَلْبِي لِلسَّلَامِ، فَمُدَّ كَفَّكَ تَنْحَنِي الأَزْمَانُ
وَغَرِقْتُ فِي دَمْعِي، وَفَائِضِ ذِلَّتِي،
وَتَمَلَّكَتْ مِنْ نَفْسِيَ الأَشْجَانُ
يَا سَيِّدِي ! عَادَتْ بُحَيْرَةُ سَاوَةٍ،
إِيوَانُ كِسْرَى شَيَّدُوا أَرْكَانَهُ،
وتَمَاجَنَتْ فِي غَيِّهَا الأَوْثَانُ
دَارَ الزَّمَانُ، وَلَمْ تَدُرْ أَيَّامُنَا
وَالجَاهِلِيَّةُ كَأْسُهَا نَشْوَانُ
فِي فَيْضِ نُورِكَ أَحْتَمِي مِنْ ظُلْمَةِ الدُّنْيَا،
وَقَدْ عَمِيَتْ بِهَا الأَلْوَانُ
هَا إِنَّنِي قَدْ جِئْتُ أَحْمِلُ حَيْرَتِي،
وَعَلَى عُيُونِي دَمْعُهَا الهَتَّانُ
هَبْ لِلْمُتَيَّمِ مِنْ لَدُنْكَ شَفَاعَةً
حَتَّى يُجِيبَكَ بِالرِّضَا الرَّحْمَنُ
فِي ذِكْرِ مَوْلِدِكَ الكَرِيمِ
تَعَطَّرَتْ أَيَّامُنَا…وَتَضَوَّعَ الرَّيْحَانُ
وَتَلَأْلَأَتْ صَلَوَاتُنَا، وَتَسَامَقَتْ
حَتَّى تَفَيَّأَ ظِلَّهَا الحَيْرَانُ
مِنْ ذَا يَضِلُّ إِذَا أَطَلَّ مُحَمَّدٌ
بِهِلَالِهِ، وَلِسَانُهُ قُرْآنُ
*           *          *
يَا قَلِبُ اُثْبُتْ، وَاتَّئِدْ أَنْوَارُ أَحْمَدَ لَا تُحَدْ
هِيَ فِي المَدَى كُلِّ المَدَى أَبْعَادُهَا رَيْحَانُ مَجْدْ
فَإِذَا طَلَبْتَ شَفَاعَةً فَاهْنَأْ: بِأَنَّكَ لَاتُرَدْ
وَإِذَا أَتَيْتَ مُقَيَّدًا حَاشَاهُ أَنْ تَبْقَى بِقَيْدْ
بَحْرُ السَّمَاحَةِ بَابُهُ مِنْ هَا هُنَا فَانْهَلْ، وَعُدْ
هَذَا النَّبِيُّ ، وَهَذِهِ بَرَكَاتُهُ أَبَدًا أَبَدْ
مُذْ كَانَ آدَمُ طِينَةً، نُورٌ تَجَلَّى فِي الأَمَدْ
فَلِوَاءُ حَمْدٍ فِي يَدَيْهِ عَلَى الوَرَى طِيبٌ وَنَدْ
وَالكَوْثَرُ الأَزَلِيُّ يَجْرِي مِنْ أَصَابِعِهِ مَدَدْ
هَذَا الطَّرِيقُ إِلَى الهُدَى هَذَا المَقَامُ لِمَنْ حَمِدْ
وَتَسَامَقَتْ آلَاؤُهُ فَلَكٌ يُدَارُ بِلَا عَمَدْ
فِي كَفِّهِ مِفْتَاحُ جَنَّتِنَا إِذَا تُرْجَى تُمَدْ
تَبْقَى شَمَائِلُهُ عَلَى الثَّقَلَيْنِ فَيْضًا لَايُعَدْ
المُلْتَجَى يَوْمَ القِيَامَةِ فِي الشَّدَائِدِ وَالكَمَدْ
وَهُوَ المَلَاذُ إِذَا تَعَاظَمَ وِزْرُنَا عِنْدَ الصَّمَدْ
وَإِذَا تَعَثَّرَ خَطْوُنَا فَوْقَ الصِّرَاطِ، أَوِ ارْتَعَدْ
يَا رَبِّ صَلِّ عَلَى هُدَى البَارِي صَلَاةً دُونَ حَدْ
*           *          *
مَوْلَايَ صَلِّ عَلَى الحَبِيبِ المُصْطَفَى
مَا شَاءَ نُورُكَ فِي السَّمَاءِ، وَمَا اصْطَفَى
حَتَّى تُطَهِّرَ رُوحُهُ أَرْوَاحَنَا
حَمْدًا بِهِ تَثْرَى النُّفُوسُ الوَاجِفَة
مَوْلَايَ صَلِّ بِمَا يَلِيقُ بِقَدْرِهِ
وَبِذَاتِكَ العُظْمَى صَلَاةً وَارِفَة
حَتَّى تَشِعَّ قُلُوبُنَا بِسَلَامِهِ
وَسَلَامِكَ الأَقْصَى نُجُومًا طَائِفَة
دَامَتْ لَنَا آلَاؤُهُ، دُمْنَا بِهَا، دُمْنَا لَهَا
مَا شَاءَ أَمْرُكَ، وَاكْتَفَى
مَوْلَايَ صَلِّ عَلَى النَّبِيِّ المُصْطَفَى

  • Related Posts

    الكتابة مرآة الذاكرة الذاكرة والكتابة للكاتبة ملفينا ابومراد

    الكتابة مرآة الذاكرة… بين الفهم والتفهيم الذاكرة والكتابة الذاكرة هي المحور، والكتابة هي الحوار. فكيف تكون الكتابة حوارًا؟الحروف التي تتكوّن منها كلماتنا، تثير الذاكرة، فتذودنا بما نريد كتابته. وكأنّ كل…

    الذاكرة والضمير (ضمير الإنسان) للكاتبة ملفينا ابومراد.

    الذاكرة والضمير(ضمير الانسان ) تعني كلمة “ضمير” ـ وَفقًا لـ”مُعجم المعاني الجامع”: استعدادا نفسيّا لإِدراك الخبيث والطيب من الأعمال والأَقوال والأَفكار، والتفرقة بينها، واستحسان الحَسن واستقباح القبيح منها. ويُقصد بـ”الضَّمير…

    اترك تعليقاً