أَنَا وَالْحُبُّ وَالشِّعْر بقلم: “سمير الزيات”

أَنَا وَالْحُبُّ وَالشِّعْر
ـــــــــــــــــــــــ
أَتَيْتُ الْحُبَّ فِي لَيْلٍ أَجَنِّ
أَنَا وَالشِّعْرُ مِنْ وَلَهٍ نُغَنِّي
وَكُلُّ الْكَوْنِ مِنْ حَوْلِي سُكُونٌ
وَقَلْبِيَ لا يَكُفُّ عَنِ التَّمَنِّي
وَكَانَ الْحُبُّ يَغْفَلُ عَنْ وُجُودِي
فَلَمْ يَأْبَهْ لنَا أَوْ يَدَّكِرْنِي
تَسَاءَلَ : مَنْ أَكُونُ؟ ، فَقُلْتُ إِنِّي
سَقِيمٌ بِالْغَرَامِ وَبِالتَّجَنِّي
***
جَلَسْتُ إِلَيْهِ ، ثُمَّ مَدَدْتُ كَفِّي
أُصَافِحُهُ ، وَأَذْكُرُ بَعْضَ شَأْنِي
أُذَكِّرُهُ بِنَفْسِيَ ، حَيْثُ كُنَّا
عَلَى الأَيَّامِ كَاللَّحْنِ الأَغَنِّ
وَأَشْكُو حُرْقَتِي وَجَوَى فُؤَادِي
مِنَ النَّارِ الَّتِي قَدْ أَحْرَقَتْنِي
***
تَمَلَّقَنِي ! ، وَأَسْرَعَ فِي سُؤَالِي :
(أَتَعْرِفُنِي ؟ ، فَمَا أَقْصَاكَ عَنِّي ؟
وَمَا أَبْقَاكَ فِي الدُّنْيَا بَعِيداً ؟
وَمَا أَلْهَاكَ عَنْ كَأْسِي وَدَنِّي ؟
فَإِنِّي هَا هُنَا دوْماً أُنَادِي
جُمُوعَ الْخَلْقِ مِنْ إِنْسٍ وَجِنّ
ِفَيَأْتِي جَنَّتِي مِنْ كُلِّ شكلٍ
أُنَاسٌ لَوْنُهُمْ مِنْ كُلِّ لَوْنِ
فَمِنْهُمْ مُثْقَلٌ بِالْهَمِّ يَبْكِي
وَمِنْهُمْ مُتْرَعٌ مُرَّ التَّجَنِّي
***
وَمِنْهُمْ مَازِحٌ يَلْهُو وَيَشْدُو
وَمِنْهُمْ مُولَعٌ يَسْتَاءُ مِنِّي
وَصَدْرِي دَائِماً لِلنَّاسِ يُعْطِي
مِنَ الرَّحَمَاتِ ، وَالرَّحَمَاتُ شَأْنِي
فَإِنِّي لِلْجَمِيعِ فَتَحْتُ صَدْرِي
وَإِنِّي لِلْجَمِيعِ أصخْتُ أُذْنِي
أَجِبْنِي ، لا تَخَفْ مِنِّي فَإِنِّي
– حَكِيمٌ بِالْوَرَى- أَحْسَنْتُ ظَنِّي
***
نَظَرْتُ إٍلَيْهِ أَجْمَعُ بَعْضَ نَفْسي
وَأَجْمَعُ مِنْ شَتَاتٍ بَيْنَ ذِهْنِي
فَقُلْتُ لَهُ : (كَفَى بِالشِّعْرِ يَشْدو
وَيَحْكِي عَنْ شُجُونٍ أَرَّقَتْنِي
فَإِنِّي قَدْ بَحَثْتُ وَضَاعَ عُمْرِي
وَطَالَ الْبَحْثُ عَنْكَ ، فَلا تَلُمْنِي
فَمَا قَصَّرْتُ لَيْلاً ، أَوْ نَهَاراً
وَلَمْ أَغْفُ ، وَلاَ أَغْمَضْتُ جَفْنِي
سَأَلْتُ النَّاسَ ، مَا سَمِعُوا سُؤَالِي
وَكُلُّ النَّاسِ – حَقاً – لَمْ تُجِبْنِي
قُلُوبُ النَّاسِ لَمْ تَأْبَهْ لِدَائِي
كَأَنِّي قَدْ مُسِسْتُ بِمَسِّ جِنِّ
فَإِنَّ النَّاسَ قَدْ نَسِيَتْكَ ظَنًّا
بِأَنَّ الْحُبَّ غَيْرُ الْمَالِ يُضْنِي
وَأَنَّ الْمَالَ لاَ يُعْلَى عَلَيْهِ
فَكَنْزُ الْمَالِ غَيْرُ الْحُبِّ يُغْنِي
وَأَصْبَحْتُ الْمُعَنَّى بَيْنَ قَوْمِي
فَلَمْ أَجِدَ الَّذِي يُدْنِيكَ مِنِّي
وَلَمْ أَجِدِ الْمُعِينَ يُعِينُ يَأْسِي
وَلَمْ أَجِدِ الَّذِي لَمْ يَتَّهِمْنِي
***
وَهَذّا الشِّعْرُ يَشْهَدُ صِدْقَ قَوْلِي
فَقَدْ كَانَ الْوَفِيَّ ، وَلَمْ يَخُنِّي
لَقَدْ آَثَرْتُ فِي الأَزَمَاتِ شِعْرِي
وَقَدْ آَثَرْتُهُ عَنْ كُلِّ خِدْنِ
فَمَنْ كَالشِّعْرِ يُخْبِرُ عَنْ شَقَائِي ؟
وَيُخْبِرُ عَنْ هَوَاكَ وَحُسْنُ ظَنِّي
فَبِي حُسْنٌ تَمَلَّكَنِي وَرُوحِي
فَمَنْ كَالشِّعْرِ يَذْكُرُ كُلَّ حُسْنِ ؟
وَلِي قَلْبٌ يَذُوبُ مَعَ الْجَمَالِ
فَمَنْ كَالشِّعْرِ فِيهِ جَمَالُ فَنِّي ؟)
وَكَانَ الشِّعْرُ يَسْمَعُ كُلَّ قَوْلِي
فَطَمْأَنَنِي بِوَجْهٍ مُطْمَئِنِّ
***
فَقَالَ الْحُبُّ : (وَيْحَكَ مِنْ جَريءٍ
لَقَدْ أَكْبَرْتَنِي ، وَرَفَعْتَ شَأْنِي
وَأَكْثَرْتَ الْجِدَالَ بِغَيْرِ دَاعٍ
فَقَصِّرْ فِي الْحَدِيثِ ، وَلاَ تُهِنِّي
فَإِنِّي فِي قُلُوبِ النَّاسِ أَحْيَا
وَلَوْ شُغِلَتْ قُلُوبُ النَّاسِ عَنِّي
وَإِنِّي كَائِنٌ كَالْخُلْدِ أَبْقَى
مَصِيرُ الْكَوْنِ مَرْهُونٌ بِكَوْنِي
وَإِنِّي لاَ أَمُوتُ وَلَوْ تَهَاوَى
جَمِيعُ الْخَلْقِ مِنْ إِنْسٍ وَجِنِّ
وَفِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَرَانِي
تَكُونُ جَزَاءَهُ جَنَّاتُ عَدْنِ
أَنَا الرَّحَمَاتُ فِي مِيزَانِ رَبِّي
أُبَشِّرُ بِالْمُنَى يَوْمَ التَّمَنِّي
تَوَرَّعْ يَا فَتَى ! ، وَقِّرْ جَلاَلِي
فَحُسْنِيَ لاَ تَرَاهُ كَأَيِّ حُسْنِ
***
بُهِتُّ ، وَرَاعَنِي خَوْفِي وَرُعْبِي
بَكَيْتُ ، وَأُغْرِقَتْ بِالدَّمْعِ جَفْنِي
إِذَا بِالْحُبِّ يَتْرُكُنِي وَيَمْضِي
فَأَشْعَلَ لَوْعَتِي ، وَأَثَارَ حُزْنِي
***
سَأَلْتُ الشِّعْرَ :(لَمْ تَنْطِقْ صَدِيقِي
حَسِبْتُكَ قَدْ تُعِينُ فَلَمْ تُعِنِّي !)
أَجَابَ الشِّعْرُ : ( مَهْلاً لاَ تَلُمْنِي
وَعُذْراً إِنْ أَنَا أَخَّرٍتُ لَحْنِي
فَلاَ تَحْسَبْ بِأَنَّ الْحُبَّ يَمْضِي
بَعيداً عَنْكَ – مِنْ حَنَقٍ – وَعَنِّي
فَإِنَّ الْحُبَّ يَحْيَا فِي جَنَانِي
وَيَحْيَا بَيْنَ وُجْدَانِي وَفَنِّي
كَلاَمُ الْحُبِّ يَقْطُرُ مِنْ لِسَانِي
وَصَوْتُ الْحُبِّ يَمْلأُ كُلَّ أُذْنِي
وَقَلْبُ الْحُبِّ يَنْبِضُ فِي كَيَانِي
وَروحُ الْحُبِّ فِي عَقْلِي وَذِهْنِي
فَلاَ تَحْزَنْ ، وَلاَتَغْضَبْ ، فَإِنِّي
أَنَا والْحُبُّ فِيكَ ، فَقُمْ ، وَغَنِّ)
***
الشاعر سمير الزيات
Avatar

صحيفة نحو الشروق

صحيفة جزائرية إلكترونية ورقية أدبية فنية ثقافية شاملة

Related Posts

أنفاس النبوءة

سألتُكِ: أينَ تُخفينَ النبوءَةَ الـتيشقّتِ الحُبَّ في رأسي، وفي صدري؟قُلتِ: بلقيسُ ما زالتْ تُجَرّبنيولا تَخونُ قلبًا ما زالَ في السَّرِّما عندكِ هدهدٌ يروي الحكايةَ لي،لكنَّ ما في دمائكِ الآنَ من…

الكتابة مرآة الذاكرة الذاكرة والكتابة للكاتبة ملفينا ابومراد

الكتابة مرآة الذاكرة… بين الفهم والتفهيم الذاكرة والكتابة الذاكرة هي المحور، والكتابة هي الحوار. فكيف تكون الكتابة حوارًا؟الحروف التي تتكوّن منها كلماتنا، تثير الذاكرة، فتذودنا بما نريد كتابته. وكأنّ كل…

اترك تعليقاً