مقطع قصير من رواية”ضجيج العميان” بقلم: “الأمين السعيدي”
مقطع قصير من رواية”ضجيج العميان”
ان الجسد الضخم الخالي من الأحلام والمشاعر ليس الا هيكلا قد ملته الروح التي تبتهل ليلا نهارا الى الرب عساه يخلصها من هذا القبر المظلم.
ما من مفكر أشد منك اخلاصا يامن تسبر الأغوار في طلب حقيقة الحب والحياة والامل،أنت الذي أمهل الله من أجله حساب عباده والقطب الذي منه ننطلق واليه نعود،أنت المدرس والمربي العملاق،أنت الليل والنهار والقمر والشمس،أنت من تستحق أن تكون سيدا على المدينة الفاضلة.
خرج عمار صحبة نهى الى الحقل قرب الوادي في صباح أول يوم بعد عودتهم الى البرية فأعترضهم العمدة في مفترق طريقين يحمل محفظة سوداء وسمات الكبرياء والغرور مرتسمة على وجهه،تكلم عمار هذا هو العمدة.اقتربت منه نهى لتسلم عليه لكنه شرع في حديث في حديث أخر موسما بسمات السلاطين والحكام.وقال:من حقك يا عمار أن تملك أرضا في قريتنا ولكن ليس على حساب أهلها فأرضك مسجلة باسمي وأنت دفعت ثمنها الى صالح.
هذا هو حال الجاهلين اصحاب النفوس الصغيرة الذين يموتون وهم يعتقدون أن الناس تحبهم،ولكن في الحقيقة يعتبرونهم فئران خبيثة يمكن ان تصيبهم بطاعونها في كل لحظة فيتجنبونهم ويظهرون لهم الود والحب فلا يراعونهم الا تكلفا ونفاقا.
طلب عمار من نهى أن يغادرا المكان دون أن يتحدثا اليه وهو ما حصل ثم أعترضتهم امراة فاتجهت اليها نهى لتسلم عليها،ولكن المرأة بادرتها باللوم والعتاب لماذا تزوجتي عمار بعد أن كان يرغب في الزواج بابنتي فتركاها وحيدة وانصرفا في اتجاه الحقل.
قالت نهى:انت ابن هذه البئة ياعمار!؟ انت من هذه السلالة! انك رجل غريب!
انت الرجل الذي اصطفاه الله من بين هذه الأشبح.أنت وردة تفتحت في غير مكانها.أنت الراعي لهذه الخرفان والاحمرة،وقد بعثني اليك الرب لأعوض شقاءك ومأساتك بالخير والسعادة.أنت زوجي وعقلي والهواء الذي أتنفسه،أنا ابنة الحضارة والبذخ وأنت ابن البرية والفقر،أنا ابنة الاستقرار وأنت ابن الاضطراب والخوف وهذه المفارقات هي سبب الحب والأمل.لا تبكي يا عمار فلا بد لليل ان ينجلي مادام الصبح وفيا لوقته ولا بد للبغال أن تنقرض مادامت تولد من غير جنسها.أنت الرجل الكامل فلا تخف من توحش هذه الأمة،لا تحمل أوزارها فتنهد عمار وقال:ألست انت من قلت:ان الرجل الذي ضاعت أمته ضاعت أحلامه؟فيا ويح الرجل اذا ضاعت امته يا نهى.
ولكننا سننجب جيلا جديدا يحق له أن يعيش ويعمر هذه الأرض،أنا وانت يا عمار سننجب من يجعل الليل نهارا،لا تخف ولا تحفل بأقوالهم وأفعالهم وهيا بنا نعود الى ضجيج المدينة،انت الى طلابك وأنا الى تربية الأبناء في البيت،هيا بنا واترك قطعة الأرض للعمدة،سوف لن تزيده الا شقاء وتعاسة وتوحشا ولا تترك لليأس منفذا…
ضجيج العميان؛ص 77_78
ط:1
“الأمين السعيدي”