قِصَّة الجَرِيمَة امرأة الزمن الجَمِيلِ بِقَلَم: الأديبة “عَبِير صَفْوَت”

قِصَّة الجَرِيمَة
امرأة الزمن الجَمِيلِ
بِقَلَم الأديبة عَبِير صَفْوَت

طَافَت عَيْنَيْهَا الغائرتين ، صَوْب البَهْو ترتزق مِنْ بَقَاياَ الْأَفْهَام لِلْحَدَث ، حَتَّي قَالَت لِلرَّجُل الْخَاسِر بِحَضْرَتِهَا :
مِرَارًا وتكرارا أَيُّهَا الرَّجُلُ وَأَنْتَ مِنْ المقهورين ، كَم حصدت مِنْ الشَّقَاءِ كَثِير؟! وَالنَّعِيم شَحّ بعالمك ، لِمَاذَا أَنْت مِسْكِين ؟ ! تذرف الدُّمُوع ، وَبِك أَنْ تُحْصَدَ مِنْ الْأَمْوَالِ مِلْء كُفُوفٌ السَّعَادَة ، اتَّبَع خَطَايَا يَا رَجُلُ ، هُنَالِكَ مِنْ يَقْدِرُون عُقُولًا وافكارا مِثْل تفكيرك ، أَحْسَنَ الظَّنَّ بِي ، تُرِي مِنْ الِاخْتِلَافِ صُنُوف مبهرة .

قَالَتْ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ وَوَهَبَهَا الْجَمِيع ، امْرَأَة أطياف الْمُجْتَمَع ، مُنْذ الْعَهْد وَكَانَتْ ذَاتَ صَيِّتٌ وَمَهَابَة ، فِي لَيْلَةٍ وَضُحَاهَا تلفحت بالغموض الَّذِي تَرَكْتُهُ بشارع النِّسْيَان ، تَسَاءل عَنْهَا الْجَمِيع ، فِيمَا كَانَتْ تَقَدَّمَه لِلْجَمِيعِ مِنْ عَمِلَ وتشجيع بتحدي لِلْقَدْر و الِاهْتِمَام بِالْمَشْرُوعَات وَمَن مُصَالحة بَيْنَ الْجَمِيعِ ، أَمَّا الْآنَ صَارَتْ مِنْ أَعْوَام ذِكْرِي .

نَظَرٌ مَرَافِق المرأة (ونيس الجن) وَتَعَجَّب مِنْ الْأَمْرِ مُتَمَهِّلا : تَعَجَّبْت مِنْ أَمْرِكَ يَا أُمَّ “جميل” كَمْ مِنْ السَّنَوَات مَرَّت ؟! عِنْدَمَا قُدِّمَت لِي الْخَيْرَ ، أَصْبَحْت ثُرَيّا ، لَكِنِّي لَمْ أَحْفَظْ النِّعْمَة ، وَانْظُرِي لِي ، كَيْفَ صَارَ حَالِي ؟!

أَم “جميل” ، تؤزرة بِعَيْن الْوُدّ :
رُبَّمَا أَتَيْتُ مِنْ أَجْلِ أَمْثَالَك الرائعين .

مَرَّت ظلالهم الْمَهُولَة ، أَرْبَعَةٌ مِنْ الرِّجَالِ الحذاقة ، تَمْلَأ هيئهم جِدَار الْحَائِط لِهَذَا الِاجْتِمَاع ، تَعَجَّب الْحُضُورُ مِنْ تِلْكَ الطاولة ، يالَها مِنْ طَاوَلَة عَجِيبَةٌ ، أُمِرْت رَئِيسِة الْعَمَل الْجَمِيع بِالْجُلُوس ” ونيس الْجِنّ” ورفاقة مِنْ ذَوَاتِ الْحَظّ المهدور .

مَضَتْ سَاعَةٌ . . )

هَاج وَمَاج الْمَارَّةِ ، عندما صَرَخ الْحَارِس ، بنبرة مرتعشة مزعورة :
مُصِيبِة مِنْ الْعِيَار الثَّقِيل .

الْعَائِدِ مِنْ شَرِكَةِ الْعَمَل ، يَشْهَد :
بِاَللَّه لَم أُرِي جَرِيمَة مِثْل بَشَاعَةٌ الْمَوْقِف ، إلَّا بجثث الرِّجَال الْمَقْتُولِين .

قَال الْأَخِير :
مِقْصَلَة قُسِمَت أَجْسَادُهُم .

قَالَ الْمُحَقِّقُ وَهُو يُمْعِنْ النَّظَرَ بِحَذَر :
أُمِّ “جَمِيلِ” هَلْ هَذَا اسْمُك ؟ !

قَالَتْ الْمَرْأَةُ وَهِيَ تمرر سبحة بَيْنَ يَدَيْهَا :
نَعَمْ يَا بية ، اسْمِي كَذَلِك .

نَظَرٌ الْمُحَقِّق مِنْ خَلْفِ نَافِذَةٌ يَسْكُن خَلْفَهَا ندبات اللَّيْل المشمئز ، حَتَّى تَسَاءل :
أَيْن كنتِ مُنْذُ عِشْرِينَ عَام ؟ ! .

أَجَابَت أُمِّ “جَمِيلِ” وَهِيَ تَنْظُرُ لِمِيزَان الْعَدْل ، الَّذِي كَانَ يَرْكُد فَوْق مَكْتَب الْمُحَقِّق حَتّى قَالَتْ :
كُنْت اقطن مَعَ ابْنِي الَّذِي رَحَلَ مُنْذُ عَامٍ

وَجْه الْمُحَقِّق سؤالاً للمتهمة بِقُوَّة الْمَوْقِف :
مَا الَّذِي دفعك للعودة ، مِنْ جَدِيدٍ .

قَالَت المتهمة بِهُدُوء :
الْعَدْل .

قَالَ الْمُحَقِّقُ بإستهانة :
أُمِّ “جَمِيلِ” تَعُود لتوظيف عَدْل السَّمَاء .

جَهَر الْمُحَقِّق باعلي صَوْت متلسناً :
وَكَان الْأَكْوَان خَلَتْ مِنْ مَلَكُوت .

ظَهَر الطَّبِيب الشَّرْعِيّ فَجَاءَه ، حَتَّي قَال :
مَا سِرُّ تواجدك مَع الراحلين ؟ ! قَبْل مَوْتِهِم بِأَيَّام .

مَرَرْت أُمِّ جَمِيلِ السبحة بَيْن أناملها الثَّابِتَة وَهِيَ تَقُولُ بَعْدَ تَنْهِيدَةٌ عَمِيقَةٌ :
عَدْل السَّمَاءُ يَا بية .

انْفَلَت الْوَقَار مِنْ الْمُحَقِّقِ ، حَتَّي لَوْح كفوفة بِغَضَب :
مِن انتي أَيَّتُهَا الْمَرْأَةُ ، وَمَن ورائك ؟ !

غَابَتْ عَنْ شَارِع النِّسْيَان ، عِشْرِين عَام ، لَم أَنْكَر أَنَّهَا قَدِمَتْ الْخَيْر لِأَخِي الرَّاحِل ، رزق أَخِي وَصَارَ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ لَكِنَّه اتَّبَع الشَّرّ وَفَقْد أَمْوَالِه .

لَيْلَة كتومة الْأَنْفَاس ، لَبِسَت الْأَوْقَات بَيْن أَخِي وَأُم “جَمِيل” قَالَتْ لَهُ كَلِمَات كَالسِّحْر ، تَغَيَّر أَخِي الْيَائِس وَتَحَوَّل عَنْهُ الهَمَّ إلَيّ أَحْلَام قادِمَةٌ بِالتَّحْقِيق .

تَسَاءل الْمُحَقِّق بِشَقِيقَة الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ (ونيس الجن) :
مَاذَا قَالَتْ لَهُ ؟ !

قَالَت شَقِيقَةٌ الْجِنّ :
مِثْلَمَا كَانَت تَوَعَّد وتخطط مِنْ عِشْرِينَ عَام ، وَفِي الصَّبَاحِ البَاكِرِ . . )

أَوْقَفَهَا الْمُحَقِّق بِإِشَارَة مِنْه قَائِلًا :
لَقِي الحذاقة الْأَرْبَعَة مصرعهم .

قَالَتِ الْفَتَاةُ الْمَجْهُولَة :

بيتً مُؤَجَّرٌ لَسَاعَاتٌ ، لَم أُسئل عَنِ العَمَلِ الَّذِي سَأقوم بِه ، مِنْ شِدَّةِ احْتِيَاجِي لِلْمَال .

قَالَ الْمُحَقِّقُ بِحَالِه مُزْرِيَة :

المقصلة بالمنضدة فِي الاتِّجَاهَات الْأَرْبَعَة .

شَعَرْت الفَتَاة بالذعر ، حَتَّي قَالَت بِأَسْنَان تصطك :
يالا بَشَاعَةٌ مَا سَمِعْت ، لَمْ أَعْلَمْ عَنْ ذَلِكَ ، عَلَيْكَ أَنْ تَصْدُقْنِي ، فَكَان اهتمامي بِالْمَال فَقَط .

كَتَب مُدَوَّنٌ الْمَحْضَر مَا لَقَّنَ إياه الْمُحَقِّق :

تَمّ الْقَبْض عَلِيّ قَاتَلَة الرِّجَال الْأَرْبَعَة ، أُمِّ “جَمِيلِ” بِدَافِع إنتمائها لأَفْكَار متشددة فِي رَدِّ الْأَفْعَال .

خَرَجَتْ الْمَرْأَةُ عَنْ هَيْئَتِهَا الْمُتَجَسِّدَة بِالْخُضُوع ، حَتَّي قَالَت و الْعُبُوس بِوَجْهِهَا وَلُغَة الْمَكْر وَالْغُدُر بحالها :
قُدِّمَت الْكَثِيرِ مِنْ أَمَدِ ، صَار الْجَمِيعِ فِي هَذَا الثَّرَاء ، وَقد صَل بِي الْفَقْر وَابْنَي الْوَحِيد حَدّ التَّسَوُّل ، بَعَثَت الرَّسَائِل لِكُلٍّ مِنْ قَدَّمَتْ لَهُ الْخَيْر ، قُلْت وَالْبُكَاء حَالِي :
أَنَا امْرَأَةٌ الزَّمَن الْجَمِيل ، تذكروني أَيُّهَا الرِّفَاق ، أَم “الْجَمِيل” الَّتِي قُدِّمَتْ الْخَيْر لَكُم ، كَم بُنِيَت بُيُوت وَصَنَعَت النجاحات إلَيْكُم ، وَأَنْتُمْ الْآنَ الأثرياء وَأَنَا وَالْفَقْر حَالِي ، عطائكم لِامْرَأَة كَبِيرَةُ السِّنِّ ، يُصْلِح حَالكُمْ وَالْمَعْرُوف يَرِد لِمَن قُدِّمَت الْمَعْرُوف ، إنَّمَا فَقَد الْجَمِيع حَاسَّةِ السَّمْعِ وَالْإِحْسَاس ، وَصَارَتْ أُمَّ “جَمِيلِ” مِن الشحاذين ، مَات ابْنِي الْوَحِيدِ مِنْ الْفَقْرِ ، عَوَّدْت بِلَادِي وَرَأَيْت مَنْ قَدَّمَتْ لَهُمْ الْمَعْرُوفِ فِي أَشَدِّ الِاحْتِيَاج .

قَالَ الْمُحَقِّقُ مُسْتَكْمِلًا حَدِيثِ أُمِّ جَمِيلِ :
قَرَّرْت عَدَم مِرَار الْفُرْصَة مُرُور الْكِرَام .

أَصْبَحُوا فِي ثَرَاءٍ ، مَاذَا فَعَلُوا بِهِ ؟ !
صَار الْغَنِيّ مُدْمِن وَالْأَخِير سَارِقٌ وَكِلَا مِنْهُم مرتشي ومسجل خَطَر ، كَانَ عَلِيًّا أَنْ أَنْظَف الْأَكْوَانِ مِنْ أَمْثَالِهِمْ .

هَمَس الْمُحَقِّق بِصَوْت مَكْتُوم :
إذَا أَنْتَ الْقَاضِي والجلاد ؟!

قَالَتْ أُمُّ “جميل” بِارْتِيَاح وَهِيَ تَنْظُرُ لتمثال الْعَدْل يَرْكُد عَلِيّ سَطْح الْمُحَقِّق :
هَذَا هُوَ الْعَدْلُ .

طَهَق الطَّبِيب الشَّرْعِيّ مِنْ هَذَا الْوَضْعِ قَائِلًا :
وَكَأَنَّه الْوُجُود غَابَة وَلَا وُجُودَ لسماء .

قَالَ الْمُحَقِّقُ لمدون كَلِمَات الْمَرْأَة المدانة بِالْقَضِيَّة :

تَرَسَّل الْمَرْأَة المتهمة بِقَتْل الرِّجَال الْأَرْبَعَة بمقصلة المِنْضَدَة ، إلَيّ مشفي الْأَمْرَاض الْعَقْلِيَّة .

أَغْلَق الْمُدَوَّن تدوينتة وَنَظَر الْمُحَقِّق إلَيّ السَّمَاء ، وَكَاد لَو يمرغ وَجْة بِالتُّرَاب خُشُوعًا وبالمزلة بَاكِيًا .

  • Avatar

    صحيفة نحو الشروق

    صحيفة جزائرية إلكترونية ورقية أدبية فنية ثقافية شاملة

    Related Posts

    بغداد عاصمة الثقافة والفنون على موعد مع حدث موسيقي استثنائي

    تشهد بغداد يوم الثلثاء الاول من نيسان حفلاً مميزًا من موسيقيين العالممع الاوركسترا الفنلندية العربية على المسرح الوطنيو التي ستقدّم من خلاله مجموعة من أشهر الأغاني و المقطوعات الموسيقية لمؤلفينَ…

    اختتام فعاليات القمة العالمية للابتكار في المدينة المستدامة في دبي

    اختتام فعاليات القمة العالمية للابتكار في المدينة المستدامة في دبيخاص – دبي –اختتمت في المدينة المستدامة في دبي فعاليات القمة العالمية للابتكار التي نظمتها الشبكة العربية للابداع والابتكار على مدار…

    اترك تعليقاً