قراءة جمالية لقصيدة جمرة من احتراقات للشّاعرة الجزائرية خديجة قادري بقلم: الكاتب بولمدايس عبد المالك

قراءة جمالية في قصيدة جمرة من احتراقات…..


‘هنا روحي هنا جمر احتراقي
هنا وجعٌ توطنَ في يســاري
هنا نبضٌ تهدهـــــدهُ الحكايا
و هذا القلب أصبح كالبخــارِ
فنبضي عاش من بؤسي غريقاً
بلا جدوى يفتّشُ عن فرارِ
بلا أملٍ و يُسمعنــــي نــداء
تشظى فيه من وهج انكساري
أداريــــه عن الخيبات صبراً
و مالي غير صبري من دثارِ
فيا أهل الملام إذا مررتمْ
بركب الدمع يوماً في الجوارِ
غفا دمعي فمرّوا دون ذكرٍ
حذارِ من إفاقتــــــــهِ حذارِ..’ تكرّرت في القصيدة أربع مرّات و هي إشارة قويّة للقارئ بضرورة الانتباه لما سيتبعه من أقوال و أحكام و يمكن توظيفها كعنوان للقصيدة .. و الترجيح بين أربعة عناوين مشتقة من رحم القصيدة نفسها ..هنا روحي ..هنا جمر ..هنا وجع ..هنا نبض و بعد النّظر و التّأمل ترجّح لي “هنا روحي” لمناسبته لمعاني القصيدة و خباياها و أسرارها .
القصيدة تتسم بالوحدة الموضوعية بالرّغم من كونها تدندن على أوتار الخليل العمودية و هي على العموم كتلة ضخمة رهيبة من العواطف ساهم في وجودها عناصر ثلاثة : ذات أنّانة و معاناة ممتدّة و فرار ميؤوس ..ثلاثية مرعبة تعكس فظاعة نفسية الشاعرة و شدّة العواصف الهوجاء الثّائرة بين جنبات روحها المسالمة ..لذلك فمن اللائق أن يتمّ التّركيزعلى تلك النفسية و معاناتها و ليس أفضل من القيام بعملية إحصائية لمفردات قصيدتها للخروج بنتائج هي أقرب من حقيقة نفسيتها المتقرحة الجروح .
1. الذات الأنّانة: الرّوح ؛ اليسار كناية عن القلب؛ النبض {02}؛ القلب {2} ليكون المجموع أربعة دون حساب التكرار.
2. المعاناة الممتدّة: الجمر؛الاحتراقات{2}؛الوجع؛البخار؛البؤس؛الغرق؛الفرار؛بلا أمل؛التشظي؛الوهج؛الخيبات؛الدمع ؛ الدّثار ؛ دون ذكرليكون المجموع أربعة عشر دون حساب التكرار.
3. الفرار الفاشل :الحكايا؛الهدهد؛ النّداء؛المداراة؛ الصبر؛ الغفوة؛ الملام ليكون المجموع سبعة .
الاستقراء الأوّلي للألفاظ الموظّفة في قصيدة الشاعرة يلحظ الاختفاء الكليّ و الشبة التام لألفاظ الأمل و إمكانية العودة و لمّا جاء لفظ الأمل سبقته الأداة “لا” لتفيد النّفي ممّا يوحي بأننا أمام نفسية محطّمة إلى أبعد الحدود . هذه المسحة حزينة المعتمة القسمات هي السمت العام لموضع القصيدة و تداعياته و تسير القصيدة على هذا النحو الجنائزي المسائي من أوّل بيت تنبيهي إلى آخر بيت تقريري.
و السؤال الذي يفرض نفسه بقوة : من أو ما هو الشخص المادي أو المعنوي الذي أدخل الشاعرة في عالم سوداوي قاتم يشبه بكثير النفق الذي لا مخرج فيه ..
أعدت قراءة القصيدة مرات و مرّات فلم أهتد إلى من استحقّ هذه المسوح الحزينة ؟ فلا مفاتح شفرة منثورة و لا رموز تاريخية و لا دينية و لا جغرافية ..لا شيء إلا كتلة كبيرة من الأحزان المتراكمة ..ظلمات بعضها فوق بعض ..
الشاعرة تستعمل ضمير الغائب لكنها لا تصرّ باسمه …فمرة تجعله مستترا حين تقول :ٍ بلا أملٍ و يُسمعنــــي نــداء.. و مرّة تستعمله متصلا كقولها : تشظى فيه من وهج انكساري أو قولها في صدر بيت آخر: أداريــــه عن الخيبات صبراً أو عجز البيت الأخير: حذارِ من إفاقتــــــــهِ حذارِ.. و تمضي على هذا النحو لتجعل القارئ يتلهّف شوقا لمعرفة من/ما المخاطب في قصيدتها ؟.. و لكن للأسف الشديد تستمر في إخفاء من تبكيه إلى آخر بيت لتدخل عقل القارئ في حسابات متداخلة.
التوصيف الوحيد الذي جادت به شاعرتنا هو مجرد تلميح و إيحاء حين قالت : حذارِ من إفاقتــــــــهِ حذارِ.. فلا شكّ بأنّه شخص مهم للغاية و مؤثر بحيث لو استفاق لتغيّر الحال و سقطت أسماء و حضل ما لم يكن في الحسبان .. ربّما حبيب أو قريب أو فاعل سياسي أو أو ..و ربّما شخص معنوي و قد يكون الوطن هذا العملاق النّائم المرعب الذي جعلوا منه رقعة شطرنج أو منصة خطابة للمطبلين و المزمّرين …و ربما يكون شيء آخر هم من أخص خصوصيات شاعرتنا …
لم أعمد كعادتي إلى عرض بعض ما تيسّر من الشروحات و التوضيحات للقصيدة لسبب وجيه و المتمثل في كون الشاعرة قد نهجت في نظمها للقصيدة أسلوب السهل الممتنع ..سهل للفهم إن في ألفاظه أو معانيه و ممتنع على الزيادة فيه لأنّه مكتمل واضح كأن تزيد السّكر للكسر مثلا ..
أخير ا و ليس آخرا و تحت ظلال هذه المعاني أترك للقارئ فرصة الغوص في بحار معاني قصيدة الشاعرة خديجة قادري و الحريّة الكاملة في تقفّي آثار الجمال و البهاء المنصورة في مجاني قصيدتها الرائعة ..و للقارئ تعود مسؤولية الترجيح و لما لا إدخال لاعبين جدد في رقعة الشطرنج الممتعة .

Avatar

صحيفة نحو الشروق

صحيفة جزائرية إلكترونية ورقية أدبية فنية ثقافية شاملة

Related Posts

الصبر بقلم الكاتبة والأديبة اللبنانية ملفينا ابومراد

الصبر كم قيل في الصبر من المحاسن، حتى في الكتاب المقدس، حيث يُعدّ الصبر من ثمار الروح، ومن علامات الرجاء والإيمان .ففي رسالة القديس بولس إلى أهل رومية (8:‏25)، يقول“لَكِنْ…

وحي ظلك بقلم يسار الحبيب

وحي ظلك ضع شهقتين على دروب قصيدتيلأسوس أســـراب الحــروف وأحـــذراأنا لسـت حـوذيَّ النــصوص، وإنــــماورّطتَ قلبي…. مـــذ عرفتــك أسـمراأنـا غــارق في النصّ أبحث عن غدٍمنذ امـــرئ القـــيس استـجار بقيصرايا آخــــر الأحــــزان…

اترك تعليقاً