قِصَّةً قَصِيرَ عُيُون الوَطَن السَّاهِرَة بِقَلَم الأديبة عَبِير صَفْوَت

قِصَّةً قَصِيرَ
عُيُون الوَطَن السَّاهِرَة
بِقَلَم الأديبة عَبِير صَفْوَت

كَانَت الْتِفَاتِه سَرِيعَة اضنت بِقَلْب الْمَارَّة ، حُزْن أَلِيمٌ ، حَتَّي اِنْكَمَشَت الْمَرْأَة ، تجدل خُيُوط الْفِرَاق بِالسَّوَاد وَفُقْدَان الْأَمَل باليئس ، كَفَت عُيُونُهَا الرُّؤْيَة وَفَاض الْوَجَل عَن بَحَثَهَا عَن فِلْذَة كَبِدِهَا ضَحِيَّة الْمَوْتِ وَالْقَدَرِ ، الَّذِي لَا يَنْتَسِبُ إلَيّ الْغَافِلِين عَنْ اللَّهِ وَدِينِه ، وَقَالَت بوجها مُكَدَّر الْمَلاَمِح ، عَابِثٌ الرُّؤْيَة :

“صابر” أَيْنَ أَنْتَ يَا “صابر” أُعِيدُوا بَنِي الْوَحِيد ” صَابِرٌ ” لَا تَخْرُجُ يَا حَبِيبُ أُمُّك ، أُمُّك لَيْسَت جَائِعَة يَا ” صَابِرٌ ” كَم احببتني وَأَحْبَبْتُك كَم كُنْت السَّنَد لِي ، أَيْنَ أَنْتَ يَا “صابر” أُعِيدُوا لِي بَنِي الْوَحِيد .

وتكومت مِثْل الطِّفْل تَغُوصُ فِي بحورا مِنْ الدّمُوعِ ، حَتَّي اِقْتَرَب رَئِيس الْمَبَاحِث ، مَرْفِقًا بِالْمَرْأَة يُرَبِّت مَنْكِبَيْهَا مُتَأَثِّرًا بِالْأَمْر :
مَا بِك يَا أُمِّي ؟ !

نَظَرْت الْمَرْأَة نَحْو الْبَرَاح الْأَسْوَد ، وَتَحَمَّلَت عَلِيّ سَوَاد رُؤْيَتِهَا تتحسس الْهَوَاء تلفذ الْكَلِمَات ، كَأَنَّهَا تلفذ أَنْفَاسُهَا الْأَخِيرَة :

“صابر ” صَابِرٌ ابْنِي الْوَحِيد يَا بية ، ذَهَبَ وَلَمْ يُعِدْ ، يَقُول أَصْحَابِهِ قَدْ سَافَر ، وَيَقُول الْجِيرَان أَنَّهُ مَاتَ .

اِخْتَرَقَت كَلِمَة الْمَوْت قَلْب ” رَئِيس الْمَبَاحِث لَحْظَة ، حَتَّي قَال بِرِفْق :

انتظرى يَا أُمِّي وَلَا تيأسي مِنْ رَحْمَةِ اللَّهُ ، وَعَلَيْك دَائِمًا بِالدُّعَاءِ لَهُ ، حَتْمًا هُنَاكَ مَا أُجْبِر إيَّاه المغادرة .

ازْدَاد هَلِع الْمَرْأَة وانصهرت الْكَلِمَات بَيْن شَفَتَيْهَا :

لَا يَحْمَدُ قَلْبِي الْعِقْبَان يَا ” صابر” أُعِيدُوا ابْنِي لِأُمِّه الكفيفة ، سندى وَسَنَد رُوحِي فِي جسدى ” صَابِرٌ ” أَيْنَ أَنْتَ يَا ” صَابِرٌ ” أَيْنَ أَنْتَ يَا نُور عَيْنِي .

صُمْت رَئِيس الْمَبَاحِث ، يَنْظُر المعاون بِطَرِيقِه لَا تَمُنُّ عَلَى حَمْدِ لِلْمُوقَف ، حَتَّي قَال :

مَاذَا تَنْتَظِرُ أَنْ أَقُولَ لَهَا ؟ ! مَات ” صَابِرٌ ” وآلاف مِثْل ” صَابِرٌ ” مَاتَ مِنْ الأبرياء شتي وَحَمَاه الوَطَن زهرات الرَّبِيع ، مَاذَا أَقُولُ لِكُلّ العائلات ؟ ! الَّتِي فَقَدَتْ أَبْنَائِهِم فِي عَمَلِيَّة انتحارية مِثْلِ هَذِهِ .

نَظَرٌ المعاون نَظَرِه مُؤَيِّدَة ، وَكَاد يَثُور قَائِلًا :

دِمَائِنَا وَأَرْوَاحَنَا فِدَاء لِهَذَا الشَّعْبَ والوَطَنَ .

حَتْمًا نَحْو القصيد مَهَابّ مِنْ الْأَمْرِ وَذَاك الْعَضُد لرجلا ثَابِت الْخَطِّيّ مِنْ الْيَوْمِ هَذَا ، تُرِي مَنْ يَكُونُ ؟ ! صَاحِب الْخَطِّيّ يَتْبَعُهُ مِنْ الشُّعُوب الْعَمْيَاء الْأَمْر .

تَفَكَّر الْأَخِير مَلِيًّا ، قَائِلًا بِغَيْر رَائِج مُثِير لِلِاهْتِمَام :

أَنَا كامعاون لَك ، أَقُولُ مَنْ خبرتي أَنَّه رَجُلًا قَائِد لمسيرة ضدد الِاسْتِقْرَار وزعزعة أَمَر الْبِلَاد .

قَال رَئِيس الْمَبَاحِث :

كُلّ الْعَمَلِيَّات الانتحارية تستهدف الأبرياء ، والزج بعقول بَيْضَاء كَانَت ثقافتهم خَاطِئَة ، اِسْتِقْطاب فاقدين هَوِيِّه الوَطَن والمتنصلين مِنْ الْأَعْرَافِ وَالْعَادَات والمهمشين فِي مَجَالِ التَّشْوِيش بَيْنَ الْعِلْمِ وَالدِّينِ وَعَدَم الْفَهْم لَهُمَا .

قَال مُعاوِن الْمَبَاحِث :

يَجِبُ أَنْ يُفْضِيَ الأَمْرَ إِلَيَّ دِرَاسَة بِحَتِّه .

جَلَس مُقَيَّدٌ المعصمين مُتَلَبِّد الْعُيُون ، قَاسِي الْمَلاَمِح ، ماينقصة إلَّا الطَّاعَة لِمَن يَأْمُرُه ، إنَّمَا قَتَلَ الْآمِرِ وَالنَّهْيِ الْمُلَقَّب بِذَلِك الْأَمِير ، عِنْدَمَا قَامَت القُوَّاتُ الْمُسَلَّحَةُ بِالْهُجُوم عَلَيْهِم .

نَظَرِه متجهمة أَفَاضَت برموش كَثِيفَة مشعة كَهَيْئَة رَأْس الشَّعْر ، حُجِبَت تِلْك الْعُيُون الشَّرِسَة السَّاهِرَة عَلِيّ الظَّنّ وَالْحَظْر ، واذرد رِيق اِسْتَفْحَلَت بِعُرُوق سَميكَةٌ تَجَلَّت مِنْ عُنُقٍ عَرِيضَة ، حَتَّي أَمْسَك كُتْلَة فَخِذِه بكلاتا يَدَيْه ممتلاءة العَضَلات ، يَنْتَظِر طَرِيقَة مَوْتِه .

أَشْهُر رَئِيس الْمَبَاحِث نَحْو مجسمة كَلِمَة :

أَنْتَ صَاحِبُ الكُتْلَة الضَّخْمَة ، مَا اسْمُكَ ؟ !

تَفَكَّر الْمُثِير لِلْجَدَل ، حَتَّي قَال مُتَذَكِّرًا :

قَالُوا عَنْ اسْمِي ” خَالِد ” قَالَتْ أُمِّي كَذَلِك .

اِقْتَرَب المعاون يُفْرَد قَبَضَتْه ، طَالِبًا :

أَيْن البِطاقَة الشَّخْصِيَّة ؟ !

قَال الضَّخْم :

لَيْسَ لِي بِطاقَةٌ .

قَال رَئِيس الْمَبَاحِث :

مَا اسْمُ أَبِيك ؟ !

قَالَ الرَّجُلُ الضَّخْم :

رَجُلًا صَالِح يَعْرِفْ دِينَهُ جَيِّدًا .

غَضِب رَئِيس الْمَبَاحِث مكبلا بِالسَّخَط :

لَا بِطاقَةٌ شَخْصِيَّةٌ أَو بَصَماتٌ لَهَا أَصْلٌ مُطَابِقٌ أَوْ أَوْرَاق تَدُلَّ عَلَيَّ هوايتك ، مَنْ أَنْتَ بِالضَّبْط ؟ !

نَظَرٌ الضَّخْم وَبُدِئ تَأَثُّرِه بِالْأَمْر :

مُنْذ أَن جِئْت هَذِهِ الدُّنْيَا وَأَنَا لَا أَعْلَمُ مِنْ أَنَا ؟ ! لَكِن إذ أَحْبَبْت أَنْ تَعْلَمَ ، فَاعْلَم إنَّنِي مَخْلُوقٌ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ وَيَعِيش عَلِيّ هَدَف الْقِتَال .

قَال المعاون مُسْتَهْدَف الْأَمْر :

إذَا لَك أَعْدَاء ؟ ! مَنْ هُمْ أَعْدَائِك .

نَظَرٌ الضَّخْم يتوة بَيْن حُرُوف السُّؤَال :

مَا يَقُولُونَ أَنَّهُم أَعْدَائِي .

رَئِيس الْمَبَاحِث يجمهر جَاهِدًا متسائلا :

مِنْ أَمْرِكَ بِقَتْل الابرياء ذَاكَ الْيَوْمَ ؟ !

قَال الضَّخْم وَكَأَنَّه عَاد طِفْلًا صَغِيرٌ :

الْأَمِير ، الْأَمِير رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ .

المعاون :

مَنْ هُمْ اصدقاءك ؟ !

الضَّخْم :

بَشَرًا مِثْلِي .

رَئِيس الْمَبَاحِث :
هَلْ تَعْلَمُ كَمْ مِنْ النُّفُوسِ قَتَلْت ؟ !

قَال الضَّخْم :
بَشَرًا يُخَالِفُون دِينِ اللَّهِ .

نَفَذ أَمَر رَئِيس الْمَبَاحِث ، وَرَأْي أَن التَّحَاوُر فِي أُمُورٍ الدِّينِ ، مَعَ هَذَا الْمَخْلُوق لَن تَجِدِي لِأَنَّهُ مِنْ الصِّغَرِ مُبَرْمَج عَلَى رِسَالَةِ مُعَيَّنَة يَعِيشُ مِنْ أَجْلِهَا .

ثُمّ تَسَاءل بِالرَّجُل :

مَنْ هِيَ أُمُّك ؟ !

قَال الْقَاتِل :

هي أُمِّهِ اللَّهِ .

قَال المعاون :

مَا اسْمُهَا ؟ ! هَذِهِ الْأُمَّةِ .

قَال وَبُدِئ قَلْبَ الرَّجُلِ يَنْتَفِضُ مِنْ الْخَوْفِ :

امْرَأَةً صَالِحَةً تَحْيَا لتتعبد وَتَطَيع .

فَاض بِرَئِيس الْمَبَاحِث :

أَيْنَ كُنْتَ تَعِيش قَبْل اللُّجوء إلَيَّ هَذِهِ الْبُقْعَةِ :

قَال متجهما :

عِشْت مَع جُمُعَات وَتَقَابَلَت مَع مُخْتَلَفٌ مِنْ الْبَشَرِ ، وَكَانَ غَيْرَ مَسْمُوحٌ لَنَا بِمَعْرِفَة الشُّخُوص عَنْ قُرْبٍ أَوْ مَعْرِفَةِ القابهم .

قَال المعاون :

إذَا أَنْتَ تَحْجُب عَنَّا هويتك وَالْقُرْب مِنْك .

قال الضخم :

لَيْس لَدَيّ مَا يُفِيدُك .

رئيس المباحث قاصدا :

هَلْ تَعْلَمُ مَاذَا سنفعل بِك ؟ !

قَال الضَّخْم وَقَد بُدِئ الْيَقِين يَرْسُم لَهُ الصَّوَابُ :

رَجُلًا بِلَا هَوِيِّه وَبِلَا وَطَن وَبِلَا اسم ، إذَا أَنَا وَهُم وَالْأَوْهَام تَذْهَب لِلْهَلَاك ، لَكِنَّهُ أُمِرَ اللَّهُ .

سَخَط الْمُحَقِّق مِنْ قُوَّةِ إرَادَتِه وَالْإِصْرَار عَلِيّ فَرَاغ فَكَرَى ، ومِنْ ذِكْرِ تِلْكَ الْهَيْئَةِ الْبَشَرِيَّة لِكَلِمَة لَفْظِ الْجَلَالَةِ ، وَنَظَرُ السَّمَاءِ متناجيا :

كَيْفَ يَفْعَلُ الْبَشَر ؟ ! بِاسْم الْجِرْم والاستقطاب وَالتَّهْدِيد وَغَسِيل الْعُقُول ذَلِك .

وَعَاد يُرَدِّد رَحِمَهُ اللَّهُ ، بَصِيرَة بِالْقُلُوب الْمُؤْمِنَة الّتِي تُعْرَفُ طَرِيقُهَا الْهِدَايَة ، حَتَّي فَرَّت دَمْعُه ساخنة قَامَت بالالمام مِنْ ثَنَائِهِ ثَبَاتِه وَمَن لُبّ عِظَامِه خُشُوعًا ، حَتَّي قَال دامعا لسماء :

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَا يَحْمَدُ علي مكروه سِوَاه .

Avatar

صحيفة نحو الشروق

صحيفة جزائرية إلكترونية ورقية أدبية فنية ثقافية شاملة

Related Posts

قلبٌ حالم في زمن صعب بقلم يسار الحبيب

قلبٌ حالمٌ… في زمنٍ صَعْب! لم تكن معرفتي بأدباء وباحثي محافظة الحسكة ومدنها قبيل عام 1998م إلا من صفحات الكتب أو المجلات، يومئذٍ كنت أتمتم حروفي الأولى، في تجربة شعرية…

إلى رسول الله

بَانَتْ سُعَادُ فَأَشْرَقَتْ فِي الْقَلْبِ بُشْرَىوَمَا لِعُيُونِي بَعْدَهَا الصَّبْرُ أَوْ قَدْرَارَسُولُ الْهُدَى، بَحْرُ الْجَمَالِ وَرَحْمَةٌفَجَاءَتْ بِمَوْلُودٍ أَضَاءَ الدُّجَى نُورَاهُوَ الْبَدْرُ، لَكِنْ لَيْسَ يَأْفُلُ ضَوْءُهُوَلَا يَحْجُبُ الْغَيْمُ الْمُنِيرَ لَهُ سِتْرَا بِمَوْلِدِهِ…

اترك تعليقاً