بعكاز قديم بِقَلَم الأديبة عَبِير صَفْوَت

بعكاز قديم
بِقَلَم الأديبة عَبِير صَفْوَت

أَجْوَاء باهِتَةٌ مُتَجَمِّدَة الِانْتِظَار ، الصَّبَّاح كَا عَادَتُة و نَظَرِة مُوَحَّدَة كَئِيبَة مِنْ عُيُونِ زَادَهَا الْجُمُود و الصَّمْت ، مُنْذ صَقِيع الْبَرْد الْمَاضِي .

عِظَام نَاخِرَه عَلِيّ شَرَفِه قَدِيمَةٌ ل بَيْت طَالَمَا كَانَ لَهُ الذِّكْرُ بالمثالية وَالْأَمَان ، فَرَغ سُكَّانِة مُنْذ أَعْوَام ، إلَّا تِلْكَ السَّيِّدَة إلْبَاسُة المستكينة فَوْق رَفَأْت الذِّكْرِيّ

تَنَثَّر الْهُمُوم وتتأوة بمحصلة الْفِرَاق إلَّا بِشَرَّي ، تسرد الْحِكَايَات آلَاف الْمَرَّاتِ فِي الْيَوْمِ :

لَجَأْتُم إلَيّ الْفِرَاق ، مَارَّةٌ فِي نَاقُوس حَيَاة مِرْآة معذبة مثيلة الْأُمّ القاطنة بِمَنْبِت الْوَحْدَة ، هَل كنتَ تَري ذِكْرِي اللَّيْلَةَ الْمَاضِيَةَ ؟ ! فِيمَا بَعْدُ الْعَامَيْن ، كَأَنَّك تقتلع جذُور شَجَرَة .

مَهْلًا أَيُّهَا الرَّجُلُ أَنَا أُمُّكَ الَّتِي كَانَ لَهَا يَوْمًا مَعَك ، ظِلًّا أَبْيَض .

يُشَرِّق الْحِلْم يَا “زاهر” فِي مقلتين لاَمعتين ، نَحْو الْأَدِيم الَّذِي فَرَغَ مِنْ وُجُودِ أُمُّك ، مِنْ بَعِيدٍ ، كَم كُنْت مداعباَ لِلْأَيَّام تهرع وَتَسْعَد وتحصد النَّجَاح بَيْن نَبْض اضلعي ، تُرِي هل يَكُون النَّجَاح بِدُونِيّ ؟ !

تَتَنَعَّم بِرَاحَة وَثِيرَة ، كَانَ هُوَ حَالٌ الشُّعَرَاءُ فِي أَدِيم الْعِشْق وَالْخَيَال ، مُنْذ الصِّغَر وَأَنْت الحالم بعمرك الرَّقِيق يَا “رامي” ، هَل اسْتَطَاعَت عَيْنَاك أَنْ تَحْيَا بِدُونِيّ ؟ !

أَبْنَائِي واحبائي ، لَيْس مُرُور الْوَقْت يُزْعِجُنِي ، لَيْس الْمَرَض والعكاز الخشبي ، وَلَيْس ضَعْفُ الْبَصَرِ وَقَلْبِي الضَّعِيف ، يشعرني بِالسَّخَط . . )

كُلُّ مَا يُزْعِجُنِي الْفِرَاق الَّذِي أَصَابَنِي بِكُم ، تمرون وَأَنَا بِالشُّرْفَة الْقَبِيلَة ، يتمطئ جَسَدِي وَأُشِير بِقَلْبِي :
أَنَا هُنَا ، امكَ الَّتِي انجبتك ، امكَ الَّتِي كنتَ تقطن باحضانها يَوْمًا ، تقطن الْآن بحضن زَوَّجْتُك وَفِي رِحَاب أَوْلَادَك .

أَشِيرُوا آلِيا ببسمة أَو أدني الْتِفَاتِه .

لَن يُزْعِجُنِي الْفِرَاق كَثِيرًا ، أَو اشباح الْأَلَم وَالْفَقْر وَالْوَحْدَة ، إنَّمَا تؤلمني نَظَرِه جارتي الَّتِي تتساءل دَائِمًا عَنْ فِرَاقٍ أَوْلَادِي الْقَانِطِين بِالشَّارِع الجانبي .

لَمْ يَأْخُذْ الْوَقْت مِنِّي الْكَثِيرِ فِي التَّفْكِيرِ بِمَا أَضْنَاه أَبْنَائِي مِن الْخَطَّاء المضني بِحَقِّي .

إِنَّمَا مَا كَانَ يُزْعِجُنِي فَكَرِه إنِّي عِنْدَمَا أَمُوت ، سيحمل الْغُرَبَاء نعشي إلَيّ مَثْوَاي الْأَخِير .

وَأَتَفَكَّر ، مَاذَا فُعِلَتْ فِي حَقِّ كَانَ كَامِلٌ مُتَكامِل ، لَم تُقَرِّبُه يَوْمًا النَّوَاقِص .

كُنْت أَجْهَر مِن أجلكم فِي وَجْهِ أَبِيكُم :
لَا تَقْتَرِبْ مِنَ أَبْنَائِي ، فَزَاد قلبكم الْقَسَاوَة ، كُنْت ازْرَع الْعَطَاء بنفوسكم أَنْت وَأَخِيك الْأَكْبَر ، فَات الْعُمْر وَانْقَشَعَت سَمَاء الرَّحِيل عَن تَوْقِيت اللَّحْظَة .
وَأَنْت الْمَارِّ مِنْ إمَامٍ شرفتي ، أَبَدًا لَن تلتف لِتِلْك الْعَجُوز ذَاتُ الشَّعْرِ الأَشْيَب وَالْهَيْئَة المترهلة ، أَنَا أُمُّكَ يَا بُنَيَّ الَّتِي انجبتك وسهرت اللَّيَالِي بِجَانِبِك ، فَرِحْت بنجاحك . وَبَكَت لِبُكَائِك ، هَلْ لِي بطلة .

السَّنَةِ الثَّالِثَةِ مُنْذ الرَّحِيل ، انْتَظَر قدومكم ، أَنْت وَأَخِيك ، اسْتَمَع لَخُطِّئ الْإِقْدَام تَقْتَرِب وتبتعد ، أَجْمَع الظَّلاَل وارسم الْحِلْم ، وتساءلني نَفْسِي :
هَل تستحقين يَا أُمَّ الْأَبْنَاء زِيَارَة عِبَارَة .
يُجِيب قَلْبِي :
خِلَاف الْخَيْرِ لَمْ ازْرَع .

فتصرخ الْأَوْقَات إمَام لحظاتي الْمَعْدُودَة :
هَانَت اللَّحْظَة وَالرَّحِيل لِلْأَبَد رُبَّمَا ، يَكُونُ دَوَاءً للجروح .

لَن أَكَل الِانْتِظَار رؤيتكم ترويني ، بعينان ملعقتان وَسَط مَآقِي الْأَجْفَان الَّتِي نُحِت الْقَلْب بِهَا صُوَرِكُم الْمَنْقُوشَة الغَائِرَة . .

Avatar

صحيفة نحو الشروق

صحيفة جزائرية إلكترونية ورقية أدبية فنية ثقافية شاملة

Related Posts

قلبٌ حالم في زمن صعب بقلم يسار الحبيب

قلبٌ حالمٌ… في زمنٍ صَعْب! لم تكن معرفتي بأدباء وباحثي محافظة الحسكة ومدنها قبيل عام 1998م إلا من صفحات الكتب أو المجلات، يومئذٍ كنت أتمتم حروفي الأولى، في تجربة شعرية…

فيديو: تكريم أفضل مائة شخصية مؤثرة ومميزة عام 2023

اترك تعليقاً