مَسْرَحِيَّة قَصِيرَة مَسار دائم بِقَلَم الأديبة عَبِير صَفْوَت

مَسْرَحِيَّة قَصِيرَة مَسار دائم

الشُّخُوص : شَخْصَان
الْأَوَّل : شَخْصٌ مُتَشائِم ، مُتَعَنِّت غَاضِبٌ .

الثَّانِي : شَخْصٌ مُتَفائِل ، سَعِيد مُبْتَهِج .

فَرَاغ بِخَشَبَة الْمَسْرَح ، إلَّا مِنْ تَسْلِيطُ الأَضْوَاءِ ،
يَقِف كُلًّا مِنْ الشَّخْصِ المتفائل والمتشائم ، يتأملا فِي الْأُفُقِ .

يَنْظُر التشائم فِي اِمْتِعَاضِ وَهُو يتمضغ الرُّؤْيَة بمأساة الْحَدَث ،
وَيَقُول مُتَأَثِّرًا :

حَقًّا أبْدَعَت الْحَيَاةِ فِي التفانين .

يَبْتَسِم التفائل بِرِضَا وَسُرُور ، قَائِلًا :

تفانين الْخَالِق الْمَنَّان لِبَشَرٍ فِي قُلُوبِهِمْ طَاعَة .

يَقُول التشائم بعبوس :

: لَا تَسَلُّطَ الأَضْوَاء عَلِيّ بَشَرًا نُفُوسِهِم ضَالَّة .

التفائل بِوَجْه شَيْخ بَشُوش :

تتأتي التَّوْبَةِ مِنْ بَعْدِ الضَّلَالِ .

صُمْت .

يَنْظُر التشائم حَوْلَه ويهمس ، وَهُوَ يَجْبُرُ التفائل عَلِيّ الصَّمْت أَيْضًا وَيُشِير بِإِصْبَعِهِ :

هَشَّش اُنْظُر أَنَّهَا هُنَاك .

التفائل يَنْظُر حَوْلَه مستعلما بِصَوْت خَفِيض
: مَنْ هِيَ ؟ !

يَبْتَعِد التشائم وَيَلُوح بِطَرِيقِه لَا تُخَلِّيَ مِنْ الْغَرُورِ .

: الْخَدِيعَة مِنْ بَعْدِ الثِّقَةِ .

يَبْتَعِد التفائل وَيَقُول بِطَرِيقِه تعبيريه

: الدَّلِيل يَتَأَرْجَح أَحْيَانًا .

يُؤَكِّد التشائم :

مِثْلِ حَبْلِ المشنقة ، أَرْض الْوَاقِع يَعْتَرِف .

التفائل يُرَتِّب عَلِيّ مَنْكِب التشائم

: ما أجمل الْخَيَالِ فِي الْوَاقِعِ .

التشائم يُوَاجِهُ التفائل

: لَا تَهْرَبُ بالخيال ، هَذَا رَمَاد الأدخنة .

التفائل يَنْظُرَ بِعَيْنِ الرَّأْفَة للتشائم ، يُشْعِرُ بِهِ

: كُنّ إنْسَانٌ .

التشائم يعارك نَفْسِهِ بِغَيْرِ رِضَاءِ ،

: تَلاَشَت الفرديات ، وَلَم يتبقي غَيْر شَبِيهٌ الْإِنْسَان .

التفائل بِوَجْه وَصَوْت هَادِي

: الْإِنْسَانُ هُوَ الْإِنْسَانُ .

التشائم بتحدي

: وَالخَطِيئَة لَا تَصْدُرُ إلَّا مِنْ الْإِنْسَانِ .

التفائل يُتَأَمَّل السَّمَاء

: عَوْدِه إلَيّ الرُّشْد أَصْوَب .

التشائم بانْفِعال

: إذَا عَلَيْك تَحْمِل وِزْرَك ، مِنْ الْبِدَايَة إلَيّ النِّهَايَة .

التفائل يَرِد بِبَرَاءَة

: الِاعْتِرَاف ومصارحه اللَّه وَالنَّفْس ، أَو الْخَلَاص .

التشائم كَأَنَّه يُخَاطَب نَفْسِه

: وَهَل تَهَزَّم الْمَعَارِك ؟ ! وَتُفْرَض السَّلَام .

التفائل

: لَا هَزِيمَة إمَام الصَّبْر .

التشائم

: الْهَزِيمَة فِي الْمَعَارِكِ أَشْرَفُ مِنْ الِانْتِصَارِ وَالسُّقُوط إمَام النَّفْس .

المتفائل

: أُعَبِّر جُسُورٌ الشَّفَّافِيَّة ، سُتَرِي الْأَجْسَاد تتكوم عَلِيّ الِانْتِظَار دَائِمًا بِوُرُود النِّهَايَة .

التشائم

: فَرَغَت الْأَوْقَات وتصارعت الأزَمَات
.
المتفائل

: استبشرو أَيُّهَا الصَّالِحِين .

التشائم

: أَنَا أَرَك فِي زَمَنِ قَصِيرٌ .

التفائل

إلَّا مِنْ الْعِبَادَةِ زَمَنِهَا طَوِيلٌ .

التشائم يَبْحَثُ عَنْ مَسَاوِئِ الْحَيَاة

: لِمَا لَا يُحِبُّ الرَّبِيع الْخَرِيف ؟ !

التفائل

: مِثْلَمَا لَا يُحِبُّ الصَّيْف الشِّتَاء .

التشائم

: و ماذنبنا نَحْن ؟ ! أَوْرَاقِ الشَّجَرِ الْأَخْضَر ؟

المتفائل

: نَحْنُ مِنْ نَصْنَع الذُّنُوب .

التشائم

: وَالطَّرِيق أَلَّا يَكُونَ إلَّا آلَةٌ حِيَاكَة ؟ !

تفائل

: كُلِّ الْأَزْمَانِ وَالطُّرُق آلَات حِيَاكَة ، هَذِهِ هِيَ الْحَيَاةُ .

تشائم

: هَل عَرَفْت الِانْتِظَار يَوْمًا بِلَا مَعْنِيٌّ ؟ !

تفائل

: الْأَقْدَار حُكْمُه الْحَيَاة دَائِمًا .

تشائم

: أَنَا أُرِي الْمَكَان وَاخْشَي الْجَوْهَر .

تفائل

: إذَا فلتسعي باعمالك الطَّيِّبَة .

التشائم يَقُول بتزمر

: طَيِّبَة الْقُلُوب سَذاجَة .

التفائل

: بَيَاض الْقُلُوب إِلَيَّ اللَّهُ أَقْرَب .

التشائم

: رَأَيْت مِنْ خَلْفِ الظِّلّ خَبِيئَة .

المتفائل

: عُدْ إلَيَّ الْمَصْدَر تَرَاه سَوِيّ بِالنَّقَاء .

يَذْهَب المتشائم ويزفر أَنْفَاسَه وَيَنْظُر للاعلي متلفظا

: لماذ يَظْهَر ضَوْءِ الْقَمَرِ ظِلال الْأَشْبَاح ؟ !

يَبْتَسِم التفائل

: لِأَنَّهُ يَظْهَرُ أَيْضًا ظِلال الْأَحِبَّة تَحْت النُّجُوم .

التشائم

: النُّجُومِ وَالشَّمْسِ وَالْقَمَرُ وَالْأَرْض ، أَيْنَ نَحْنُ فِي الْمَلَكُوتِ .

يَبُوح التفائل بِإِشْرَاق

: كُنّ كَالْعَبْدِ فِي الطَّاعَةِ وكالعصفور فِي الْعِبَادَةِ ،
وَكُن كالمارد إمَام هَزِيمَة النُّفُوس .

يَعُود التشائم ويتسأل

: هَل تُرِي ماخلف الشَّمْس ؟ !

التفائل

: أُرِي مَا تَأَلَّق واذدهر أَسْفَل الشَّمْس .

يَنْظُر . التشائم إلَيّ أَعَلَيّ ، يَبْتَعِد ويرتعش

: أَنَا دَائِمًا أخشي الْحَيَاة .

المتفائل بِوَجْه مُؤْمِنٌ

: حُبِّ الْحَيَاةِ .

التشائم يَتَفَوَّه بِارْتِبَاك

: أَتَرَدَّدُ فِي صُمْت .

المتفائل يَشُدّ إزْرَة

: بَل اعلنها فِي كُلِّ الْوُجُود ، أَقْنَع نَفْسِك وذاتك .

التشائم ، يتسأل وَهُوَ يُشِيرُ بِأُصْبُعِهِ نَحْو نَفْسِهِ فِي اِسْتِنْكارٌ

: نَفْسِي ؟ !

التفائل يُؤَكِّد

: نَفْسِك تكملني وَأَنَا لَا اتجزء عَنْك .

التشائم لَا يَقْتَنِع

: لَكِن صِرَاع الحضارات وَالْأَدْيَان وَتَغْلِيظ الْمَفْهُوم ؟ !

يَقْتَرِب التفائل مِن التشائم ، وَيُمْسِك يَدَاه وَيُصَوِّب الْكَلِمَات إلَيْه باهْتِمام

: كُنّ صَدِيقِي وسترانا دَائِمًا متفاهمين .

التشائم يُسَلِّمُ بَعْدَ مَشَقَّةٍ لِنِهَايَة الْمَطَاف بِطَرِيق أَشْبَه للتنويم المغناطيس ، لَكِنَّه يتسأل

: لِمَاذَا ؟ !

المتفائل

: لِأَنَّ الْحَيَاةَ نَحْنُ وَنَحْنُ كُلّ الْحَيَاة .

التشائم يَنْظُر التفائل وَيَسْأَل بِطَرِيقِه الربوت

: هَل تُحِبّ الْحَيَاة ؟ !

التفائل

: أَنَا الْحَيَاة .

التشائم

: الْحَيَاةِ لَا تحبي .

الْتَفَائل :

: بَل الْحَيَاة لَن تتخلي عَنْك .

التشائم

: اتعتقد ؟ !

التفائل وَهُو يَفْتَح زرعاه عَلِيّ مصرعيه وَيَبْتَسِم

: كُنّ صَدِيقِي ، فَأَنَا تَابِعٌ لَك وَأَنْت تَابِعٌ لِي .

التشائم بِوَجْه مُؤَكَّدٌ

: مُتَتالِيَة لَا تَتَجَزَّأُ .

التفائل والتشائم يُكْمِل كُلًّا مِنْهُمَا فِي الْحَدِيثِ

: فَالصَّوَاب .

: والخطاء .

: وَالْجَمَال .

: وَالْقُبْح .

: فِي الْحُبِّ .

: فِي الْكَرَّةِ .

: فَالْإِضَافَة .

: وَالنُّقْصَان .

: فِي الْعَطَاءِ .

: وَالْأَخْذ .

: فِي الْفَرْجِ .

: وَالضِّيق .

المتفائل

: كُنّ صَدِيقِي .

التشائم

:نَحْن لَن تَتَجَزَّأ أَبَدًا .

المتفائل

: حَتَّي زَوَال الْأَرْض .

تَمَّت

Avatar

صحيفة نحو الشروق

صحيفة جزائرية إلكترونية ورقية أدبية فنية ثقافية شاملة

Related Posts

سيماء رمي العقال والشماغ في الثقافة العربية القبلية بقلم فرج الحسين

سيماء رمي العِقال والشماغ في الثقافة العربية القَبَلية:للعقال وغطاء الرأس سواء كان شماغاً (يشمراً) أحمراً أو غترة بيضاء أهمية كبيرة في الثقافة العربية والموروث الشعبي العربي لأن اليشمر والعقال يحتلان…

سورية لا تخافي سلمان له وقفه

يا سعودي يا فخرنا، يا عِزنا ويا مجدنايا وهج صبحٍ سرى، ما غيرك بعيني سنا من سلالةْ من جدوده ما تخلّى عن وفافزعةٍ لا هبّت الدنيا، وقف ما قد جفا…

One thought on “مَسْرَحِيَّة قَصِيرَة مَسار دائم بِقَلَم الأديبة عَبِير صَفْوَت

اترك تعليقاً